الصفحة 90 من 108

فلا يُتخذ من شعار فقه الموازنات تكأة للإحداث والابتداع، والقول على الله بغير علم، والركون إلى الذين ظلموا، وتحليل الحرام وتحريم الحلال، والتلاعب بالأحكام الشرعية، كما هو فعل الكثيرين ممن قد جعلوا المرجع في تقدير المصالح والمفاسد إلى عقولهم وأهوائهم فأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل؛ حيث استحسنوا ما استقبحه الشرع، واستقبحوا ما استحسنه الشرع، ثم جعلوا القول بالموازنات حصنا يلوذون به وملجئا يلجئون إليه، وسيلة لنيل أغراضهم ودرعا يدرءون به عن أنفسهم وسيفا يُشهرونه في وجه مخالفهم.

-أن المفسدة التي ثبت الحكم مع وجودها بدليل من نص أو تقرير أو إجماع أو قياس غير معتبرة.

فهذه القاعدة تخرج إيراد من يورد وجود مفسدة في الجهاد مع العلم بأن هذه المفسدة بعينها كانت موجودة زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كإيراد من يُورد ذهاب الطاقات الدعوية، ونحوه ويقول: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الجهاد كل أحد دون تفريق، وكذا الصحابة حتى قتل في حرب مسيلمة مئات من القراء، وهذه الحجة باطلة بوجود المفسدة المذكورة زمن النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يُعطّل الحكم لها، وبالنص على بطلانها، والرد عليها في الآيات:"قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت""قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتلُ إلى مضاجعهم".

كما تُخرج إيراد من يُورد جر العدو إلى بلاد المسلمين، لوجود ذلك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، حين بادأ قريشا بالقتال، وجاؤوا للمدينة في غزوة بدر، وأحد.

وتُخرج أيضا: من يُورد ذهاب الأمنِ، وزعزعة البلاد، فإن أبا بكرٍ الصديق أخرج الجيوش، وقال: والله لو جرت الكلاب أرجل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما تركت إخراج الجيوش، أو كما قال رضي الله عنه، مع أنه إن كان ملزما بإخراج جيش أسامة بالنص، فإن قتال المرتدين ليسوا كذلك، مع علمه بأن بعض الأعراب حول المدينة كانوا يتربصون.

-أن المفسدة التي تُلغِي الحكم، هي الخارجة عن المعتاد في مثله، الزائدة عن المفسدة اللازمة لأصله.

وأما هذه القاعدة، فلأن من الأحكام ما بُني على نوعِ ضررٍ، فالموت إن ترتب على واجب الأمر المعروف والنهي عن المنكر، كان ضررا يسقط به الوجوب، أما إن ترتب على القتال فلا، لأن القتال مبناه على تلف الأنفس والأموال.

كما أن القتال يلزم منه رد العدو، وانتقامه، ومحاولة النيل من المسلمين، وحصول شيءٍ من مآربه هذه له ولا محالة، وقد سبى المشركون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من المسلمين، فهذه المفاسد لا يُعطَّل الجهاد لها، لأنها لم تخرج عن المعتاد في مثله، وهي ملازمة لكل قتال وجهاد.

وهذا مطرد في سائر الأحكام، فالزكاة يدفع فيها المال الكثير، ولا تكون كثرته مسقطة لها، ولو أن رجلا ثريا احتاج الماء لطهارة الصلاة، فلم يحصل له إلا بأكثر من ثمن المثل، لم يجب عليه أن يشتريه وجاز له التيمم، وإن كان يدفع في الزكاة أضعاف أضعاف ثمن المال، وهكذا.

-أن المفسدة التي يُفضي اعتبارها إلى تعطيل شعيرة من شعائر الدين لاغية.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام