الصفحة 95 من 108

فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما استنكر عليه الصحابة هذا الشرط قال لهم"إن الله سيجعل لهم فرجا ومخرجا"فهو علل قبوله بالشرط بأمر ليس في مقدور أحد من المسلمين من بعده علمه، فهو أمر خاص به صلى الله عليه وسلم بوحي أوحي إليه في شأن هؤلاء المسلمين المستضعفين بأن الله سيجعل لهم فرجا ومخرجا، فهو أمر خاص به بدليل عموم النصوص الموجبة للدفاع عن المسلمين المستضعفين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"متفق عليه، وهذا نص عام لا يخرج عنه أي مسلم، وكذا قوله تعالى"وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعلنا من لدنك وليا واجعلنا من لدنك نصيرا"فمن ادعى بعد ذلك جواز إسلام المسلم للكافر أو موالاة الكفار على المسلمين بهذا الدليل قلنا له أين العلة التي علل بها النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أتى بها - وأنى له ذلك - فذاك، وإن لم يأت بها بطل الاستدلال، وقد قرر العلماء خصوصية النبي صلى الله عليه بذلك كابن العربي فقال في أحكام القرآن"فأما عقده على أن يرد من أسلم، فلا يجوز بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما جوزه الله له لما علم في ذلك من الحكمة وقضى فيه من المصلحة ...."انتهى.

وعلى التنزل والقول بعموم الحكم وعدم خصوصيته بالنبي صلى الله عليه وسلم فيجب أن لا يتعدى موضعه، فإن الفعل لا عموم له، وهذا الفعل جاء في مخالفة عموميات قولية، فيكون مختصا بأفراد من المسلمين لا شوكة لهم أو دولة، علم فيهم أنهم لا يفتنون عن دينهم وغلب على الظن أن الله جاعل لهم مخرجا، وكانوا قبل العهد في دار الكفر وبأيدي الكفار أو كانوا من الكفار المعاهدين ثم أسلموا، وأن ذلك في الرجال فقط دون النساء كما جاء في آية الممتحنة، فلا يعمم الحكم على جواز إسلام المسلمين الذين كانوا في دار الإسلام أصلا للكفار أو من علم أنه يفتن في دينه أو من جهل حصول المخرج والفرج لهم، أو على جواز تولي الكفار أو على جواز التنازل عن الثوابت الدينية أو الواجبات الشرعية للمصلحة.

القتال والطوائف الممتنعة:

-الامتناع على نوعين:

امتناع عن الشرع: وهو أن يمتنع عن عما وجب فعله من شرائع الإسلام كترك الصلاة أو الزكاة ونحو ذلك.

امتناع عن القدرة: وهو أن يمتنع عن قدرة المسلمين أن يوقفوه ويحاسبوه ويحاكموه لشرع الله وإقامة الحد عليه.

ولا تلازم بين النوعين، فقد يكون الممتنع عن العمل بالشريعة مقدورا عليه في دار الإسلام، وقد يجتمعان فيمتنع الممتنع عن الشريعة بدار كفر أو بشوكة وطائفة وقانون وسلطان دولة بحيث لا يتمكن المسلمون من إنزاله على حكم الله تعالى وإقامة حد الله تعالى عليه.

والممتنع عن القدرة لابد أن يكون ممتنعا عن الشرع لأنه لا يوصف بالامتناع عن القدرة إلا إذا كان قد وجب عليه حق لله تعالى أو حق للعباد، فطولب به فامتنع عن القدرة أو امتنع عن القدرة قبل المطالبة وبعد وجوب الحق عليه حتى لايؤاخذ به.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام