الصفحة 89 من 108

يضحون بمبادئهم، وبها يستدلون ويردون على خصومهم خصوصا فيما يتعلق بالعقيدة والجهاد، فصار دينهم المصلحة والمفسدة، وأصبحت المصلحة طاغوتا يعبد من دون الله، فأخذوا بفقه المصالح والمفاسد بلا ضوابط ولا فقه لهذا الباب، تكلمنا في هذا الباب عن الفقه الشرعي المنضبط لهذا الموضوع حتى يتضح المنهج ويتضح أن فقه المصالح والمفاسد لا يتعارض معه بل يتوافق معه أشد التوافق، ويتضح ضلال هؤلاء وأن فقه المصالح والمفاسد يتعارض معهم أشد التعارض، فكم من مفسدة دفعوها وجلبوا على المسلمين مفسدة أعظم، وكم من مصلحة عظمى للمسلمين ضيعوها في سبيل مصلحة متوهمة أو ذاتية، وكم من وكم من .. .

-أن الشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد على خير وجه وأكمل صورة في الدنيا والآخرة، فحيثما كان الشرع؛ كانت المصلحة، بل لا مصلحة بخلاف الشرع أبدا؛ ولذا كان التمسك بالشرع هو عين الحرص على تحقيق المصلحة لمن أراد المصلحة.

فعن رافع بن خديج رضي الله عنه، قال:"كنا نحاقل الأرض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى، فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي فقال: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمر كان لنا نافعا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يُزرِعَها وكره كراءها وما سوى ذلك"رواه مسلم.

أما السعي لالتماس المصلحة بمخالفة الكتاب والسنة؛ فهو فعل أهل الشك والارتياب الذين ابتلوا بضعف اليقين وهم لا يشعرون.

فكأنهم بهذا السعي يجعلون الذي أنزل هذه الشريعة لا يعلم أحوال الناس وما يصلح لهم وما لا يصلح، وأن العبد الظلوم الجهول قد أدرك المصلحة التي فاتت المولى - سبحانه وتعالى- الذي يعلم السر وأخفى - تعالى الله عما يفتريه الظالمون أهل الجهل والهوى والارتياب - ولذا كان التماس المصلحة بمخالفة الكتاب والسنة مجاوزة من العبد لقدره، وتطاولا لما لا يصلح له مع كونه تعديا على مقام الألوهية، ومنازعة سمجة للرب الجليل - سبحانه وتعالى - إذ الله هو الذي خلق الخلق وهو الأعلم بمصالحهم وما يصلحهم في كل زمان ومكان؛ فهو سبحانه العليم بهم وبما يصلح لهم.

فهيهات للمصلحة أن تكون في خلاف النص، بل خلاف النص هو عين المفسدة، وإنما المصلحة ما قرره النص من فعل أو ترك.

ولذا فإن مجرد تصور هذا القول بتقديم المصلحة على النص كاف في إبطاله، إذ يفتح باب المروق من الدين والانسلاخ من أحكام الشرع على مصراعيه، هذا فضلا عن فتح باب الإحداث والابتداع والتحكم بالشرع بنجاسة الآراء وزبالة الأفكار والأهواء؛ إذ لا يعجز كل مبطل عن القول بأنه ينشد المصلحة من باطله الذي جاء به وأحدثه، وقدمه على النص، وقد قال تعالى:"وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون".

-الشرع هو المرجع في تقدير المصالحِ والمفاسد، فالمصلحة هي ما ثبت كونه مصلحة في شرع الله ودينه، والمفسدة هي ما ثبت كونه مفسدة في شرع الله ودينه لا غير.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام