الصفحة 67 من 108

يعرفون دعوته ومنهجه، أما إخفاء تلك العقيدة وكتمانها مداهنة للطواغيت وارتقاء في مناصبهم بحجة أن هذه الطريقة العلنية تفضح أمرهم وتكشف مخططاتهم وتقضي على الدعوة وثمراتها، بل ليت الأمر وقف عند إخفاء العقائد والمناهج فقط بل تعدى ذلك إلى إظهار خلافها الباطل، بل وتعدى أيضا إلى إظهار أفعال وأقوال من آثار الخلاف الباطل من تول للشرك والطاغوت وأهله وتول للكفار، فكل هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شيء، ويقال لهم أولا هذه الثمرات المزعومة لن تينع ولن يبدو صلاحها حتى يكون الغراس على منهاج النبوة، وواقع الدعوات العصرية أكبر شاهد على ذلك، وما نعانيه اليوم من جهل أبناء المسلمين، والتباس الحق عليهم بالباطل، وعدم وضوح مواقف الولاء والبراء إنما هو من سكوت وكتمان العلماء والدعاة لهذا الحق، ولو أنهم صرحوا وصدعوا وابتلوا كما هو حال الأنبياء لظهر وبان للناس جميعا ولتمحص وتميز أهل الحق من أهل الباطل ولبلغت رسالات الله ولزال التلبيس الحاصل على الناس في الأمور المهمة والخطيرة في هذا الزمان، وكما قيل"إذا تكلم العالم تقية والجاهل بجهله فمتى يظهر الحق"إن إظهار توحيد الله الحق للناس وإخراجهم من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد هي الغاية العظمى والمقصود الأهم وإن نكل بالدعوات وابتلي الدعاة وهل يظهر الدين إلا بالمدافعة والبلاء"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"فبذلك يكون إعلاء الدين وإنقاذ الناس وإخراجهم من الشرك باختلاف صوره، وفي قصة أصحاب الأخدود عبرة لأولي الألباب، فإن ذلك الغلام الداعية الصادق ما أقام دولة ولا صولة ولكنه أظهر توحيد الله أيما أظهار ونصر الدين الحق نصرا مؤزرا ونال الشهادة، وما قيمة الحياة بعد ذلك، وما وزن القتل والحرق والتعذيب إذا فاز الداعية بالفوز الأكبر قامت الدولة أم لم تقم، وإن حرق المؤمنون وخدت لهم الأخاديد لأن كلمة الله هي الظاهرة العليا، وهاهي دعوات الرسل والأنبياء وأتباعهم خير شاهد، فقد كانوا أشد الناس بلاء وامتحانا وما أثر ذلك البلاء في ظهور دعواتهم، بل ما زادها إلا ظهورا واشتهارا وتغلغلا في قلوب الناس وبين صفوفهم، ومن يرغب عن هذه الطريق بحجة مصلحة الدعوة، أو أن سلوكها يجر فتنا وويلات على المسلمين، أو غير ذلك من المزاعم الجوفاء التي يلقيها الشيطان في نفوس ضعفاء الإيمان فهو سفيه مغرور يظن نفسه أعلم بأسلوب الدعوة من إبراهيم الذي زكاه الله تعالى فقال"ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل"وزكى دعوته وأمر خاتم الإنبياء والمرسلين باتباعها وجعل السفاهة وصفا لكل من رغب عن طريقته ومنهجه، هكذا كانت أحوال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم مع أقوامهم المعاندين، وهكذا كانت دعوتهم صراع دائم مع الباطل ووضوح في الدعوة، وإعلان العداوة والبراءة، ولم تعرف دعوتهم المداهنة أو الرضى عن بعض الباطل أو الالتقاء معه في وسط الطريق، ومعاداة أهل الحق للباطل وأهله ومفارقتهم لهم قضية قديمة جدا، افترضها الله منذ أن أهبط آدم صلى الله عليه وسلم إلى هذه الأرض، وشاءها الله قدرا وشرعا ليتميز أولياؤه من أعدائه والخبيث من الطيب ويتخذ من المؤمنين شهداء، قال تعالى"اهبطوا بعضكم لبعض عدو"وعلى هذا سارت قافلة الرسل جميعا، قال تعالى"وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن"وقال تعالى"وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام