تعالى"وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا"المرحلة الثالثة: الفترة المدنية: وهنا شرع جهاد جميع المشركين من قاتل المسلمين ومن لم يقاتل ونسخ ما قبله من المراحل كما قال تعالى"واقتلوا المشركين حيث وجدتموهم"وقال تعالى"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"وقال تعالى"وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة"وأصبحت هذه المرحلة آخر مراحل التشريع الناسخة المحكمة وعليها العمل وعليها مات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع العلماء على أن الفترة المكية منسوخة كما نقل إجماعهم ابن جرير في التفسير والشوكاني في حدائق الأزهار.
فالذين يريدون العمل بالفترة المكية يلغون من حسابهم اكتمال التشريع الإسلامي ويريدون العمل بما نُسخ من الأحكام، ويتركون الناسخ والمحكم، والعمل بمنسوخ الأحكام باطل، وهم يريدون أن يعودوا بالإسلام إلى نقطة الصفر، وكيف ذلك وقد اكتمل الإسلام، والمسلمون اليوم يجاوزون المليار، ولقد كان التدرّج الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم في قتاله مع المشركين في ظروف قلة الإسلام وكثرة الكفار كان المسلمون مجرد أفراد قلائل إن اجتمعوا كلهم مع ذراريهم فلن يتكون منهم جيش، وإن تم القضاء عليهم لم تبق للإسلام باقية، فهل الإسلام اليوم على تلك الحالة؟ وهل يُخشى على زوال هذا المليار إذا هو قاتل أعظم دولة في العالم؟ إن الإسلام اليوم لا يخشى عليه من الزوال وهو باق إلى يوم القيامة والمسلمون اليوم كثر ولله الحمد، وإذا كانت الأدلة الشرعية تثبت بقاء الجهاد شرعا وثبوته كحكم شرعي إلى قيام الساعة وأنه ناسخ لما قبله من الأحكام وأن هذا الحكم لن يتغير، فإن الأدلة الشرعية أيضا دلت على بقائه قدرا وثبوته ووجوده كحكم قدري للطائفة المنصورة إلى قيام الساعة وقد سبقت الأدلة على ذلك كحديث الطائفة المنصورة ونحوه، فهذا يفنّد العمل بالمرحلة المكية، ويدل على أن تلك المرحلة من الضعف التي يسقط فيها القتال ولّت إلى غير رجعة، وأنها حالة خاصة لن تتكرر، وأن القتال سيظل قائما إلى يوم القيامة، فإن تلك المرحلة لها أحوال وظروف تثبت خصوصيتها وأنها لا يمكن أن تعود مرة أخرى، فإن تلك المرحلة كانت نواة الإسلام وبدايته والرعيل الأول منه ويخشى عليها من الزوال، إضافة إلى ضعف العدد والعدة، والإسلام اليوم على مر الأزمان منتشر ومستمر ولا يخاف على زواله وزوال أهله،، ومن يحتج بالعصر المكي لترك الجهاد فعليه أن يحتج به لترك الصيام وغيره من الفرائض التي لم تفرض إلا في المدينة.
وحيث سقط القتال عن المسلمين بعد ذلك فهو ساقط للعجز لا لاستصحاب حكم الفترة المكية، والخلاف ليس لفظيا لأن استصحاب الفترة المكية يعني سقوط القتال بالجملة وأما سقوط القتال للعجز فهو يقتضي العمل بالقواعد المكملة لقاعدة"التكاليف منوطة بالقدرة"كقاعدة"الضرورة تقدر بقدرها"وقاعدة"الميسور لا يسقط بالمعسور"وغيرها من القواعد وسيأتي مزيد تفصيل لهذا الأمر إن شاء الله.
-أن الجهاد إذا أطلق في النصوص الشرعية فالمراد منه قتال الكفار بالسيف كما ذكره العلماء، وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم"ما الجهاد؟ قال:"أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم"رواه أحمد وصححه الألباني في الصحيحة، وكذا جملة"في سبيل الله"إذا أطلقت فالمراد منها الجهاد كما ذكره العلماء، وعلى ذلك فلا ينبغي الخلط في حمل النصوص المطلقة على غيره من أنواع الجهاد."