الصفحة 44 من 108

تأتوا روضة خاخ؛ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها"فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، قلنا: لتخرجن الكتاب، أو لتلقين الثياب، قال: فأخرجت الكتاب من عقاصها، فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه:"من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا حاطب، ما هذا؟"قال: لا تعجل علي، إني كنت أمرءاً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه صدقكم"فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، وفي رواية: فقد كفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"وفي رواية قال حاطب"قد علمت أن الله مظهرا رسوله ومتم له أمره"."

فهذا حديث حاطب فيه إثبات أن الإعانة كفر من وجوه:

الوجه الأول: قول عمر في الحديث"دعني أضرب هذا المنافق"وفي رواية"فقد كفر"وفي رواية بعد أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم"أوليس قد شهد بدراً؟"قال عمر"بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك".

فهذا يدل على أن المتقرر عند عمر رضي الله عنه أن مظاهرة الكفار: كفر وردة.

الوجه الثاني: إقرار الرسول (لما فهمه عمر وإنما ذكر عذر حاطب.

الوجه الثالث: أن حاطباً قال: ما فعلت ذلك كفراً، ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام.

وهذا يدل على أنه قد تقرّر لديه أيضاً أن مظاهرة الكفار (كفر وردة ورضا بالكفر) .

فإذا كان هذا قد يظن في مثل صورة عمل حاطب رضي الله عنه مع أنه قد خرج غازياً مع الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله مناصراً له ومظاهراً له على أعدائه المشركين، ولم يظاهر الكفار ولم ينصرهم بنفس ولا مال، ولكن احتمل عمله هذا، فقيل فيه ما قيل، فكيف بمن ظاهر الكفار فعلاً وظاهرهم وأعانهم على المسلمين، لا شك أنه أولى بالأحكام المذكورة في هذا الحديث.

وإنما لم يكفر حاطب رضي الله عنه لكونه كان متأولا بأن فعله داخل تحت الإكراه بكونه يحمي أهله وقرابته في مكة، وأن رسالته لا تضر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو على يقين بنصر الرسول صلى الله عليه وسلم على الكفار والمشركين كما صرح هو، كيف أيضا وقد خرج معه مجاهدا لهؤلاء الكفار بنفسه وماله، وقد بوب البخاري على حديث حاطب"باب ما جاء في المتأولين"وجعله في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم.

وأما شهوده بدرا فهذا مانع من تعزيره وقتله.

2.الموالاة المحرمة الغير كفرية:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام