الصفحة 103 من 108

الظاهرة لم يقبل إلا أن يكون المتأول حديث عهد بإسلام أو نشأ في بادية بعيدة، أو كان التأول في جزء من مسألة ظاهرة كما في حادثة قدامة، وإن كان في مسألة خفية كان مانعا وقبل.

الرابع: الجهل: بأن يجهل حكم الفعل أو القول أو الاعتقاد المكفر، ولزيادة البيان نقول إن مسائل الدين على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أصل الدين، وهو التوحيد، ونقيضه الشرك، فمن لم يأت بهذا الأصل وأتى ينقيضه فليس بمسلم، لأن الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، فمن لم يأت بالتوحيد فليس بمسلم أصلا، فيحكم بالشرك لمن وقع فيه لمجرد وقوعه فيه، ولا يعذر بجهله، والأدلة على ذلك:

1.الأدلة الكونية الظاهرة على وحدانية الله تعالى، حيث يستدل بربوبيته على وحدانيته سبحانه فالذي خلق ورزق وصور ودبر هو وحده الذي يجب أن يعبد ويشرع ولا يجوز شرعا ولا عقلا صرف شيء من ذلك لغيره سبحانه"ألا له الخلق والأمر".

2.أن الله تعالى أخذ الميثاق على بني آدم في ذلك، حيث استخرجهم من ظهر أبيهم آدم كالذر، قال تعالى"وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون"فلم يعذرهم الله تعالى بدعوى الغفلة والجهل وتقليد الآباء في الشرك الظاهر المستبين بعد أن أخذ الميثاق عليهم على أن لا يتخذوا ربا سواه.

3.فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها وغرسها في قلوب عباده، على أن الخالق الرزاق هو وحده المعبود المشرع، كما في الحديث الذي يرويه الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"وفي رواية"أو يشركانه"وفي الحديث القدسي الذي يرويه مسلم"إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم".

4.أن الله تعالى أرسل الرسل جميعهم من أجل هذه الغاية العظيمة، قال تعالى"ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"وقال"رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل"فمن لم تصله رسالة نبي سمع بغيره، إذ جميعهم وإن تنوعت شرائعهم إلا أن دعوتهم إلى تحقيق التوحيد وهدم الشرك والتنديد واحدة، وقد قال تعالى"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"وقد صدق الله وحده، فبعث للناس كافة رسله، وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أوضح به المحجة، وأقام به الحجة، وليس بعده ثم رسول.

5.أن الله تعالى أنزل الكتب جميعها تدعوا إلى هذه الغاية العظيمة، وختمها بكتاب لا يغسله الماء لا يبلى ولا يبيد، فتكفل بحفظه إلى يوم القيامة، وعلق النذارة ببلوغه في كثير من أبواب الدين، فكيف بأعظم وأهم وأخطر باب في تلكم الأبواب - التوحيد - قال تعالى"وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ"وقال تعالى"لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة"ثم

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام