عرف البينة والحجة سبحانه بقوله"رسول من الله يتلو صحفا مطهرة"فمن بلغه القرآن العظيم فقد قامت عليه الحجة والنذارة خصوصا في أوضح أبواب الدين الذي بعث كافة الرسل من أجله.
أما أن يراد بالحجة وقيامها أن يؤتى إلى كل واحد في مكانه فتقام عليه الحجة فهو مما أنكره الله تعالى في قوله تعالى عن المشركين"فما لهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حمر مستنفرة * فرت من قسورة * بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة".
ومعلوم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أن شأنه في دعوة الطوائف الممتنعة، أنه كان يراسل رؤوس تلك الطوائف دون آحاد رعيتهم، ولم يكن يشترط أو يأمر رسله وأمراءه بوجوب تتبع آحاد الناس لإقامة الحجة عليهم - خصوصا المحاربين - وأن الحال عند العلماء بعد انتشار الإسلام وفشوه في أرجاء المعمورة ليس كالحال في فجر الدعوة وأول الإسلام أو مع حديث العهد بالإسلام.
6.أنه ورد عن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال:"في النار"فلما قفى دعاه فقال:"إن أبي وأباك في النار"رواه مسلم.
وهنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل الرجل عن حال أبيه هل هو جاهل أو عالم أو غيره، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، مع أن هؤلاء القوم الذين كانوا في الجاهلية قبل البعثة قال الله تعالى عنهم"لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون"وقال تعالى"لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون"... 7_ قوله تعالى"وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتي يسمع كلام الله"وجه الإستدلال أن الله سماهم مشركين قبل أن تبلغهم الحجة ... إذا اسم الشرك يلزم كل من أشرك سواء قامت عليه الحجة أو لم تقم أما العذاب فلا يكون إلا بعد قيام الحجة لقوله تعالى"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا".
-مسألة: الفترة هي انقطاع بين رسولين وأهل الفترة هم الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن والدعوة وماتوا على الجاهلية، وهؤلاء لا يسمون مسلمين بالإجماع ولا يستغفر لهم، وإنما اختلف العلماء في حالهم في الآخرة على أقوال أربعة:
الأول: أنهم ناجون.
الثاني: أنهم في النار.
الثالث: التوقف في حالهم.
الرابع: أنهم يمتحنون يوم القيامة بنار يأمرهم الله بدخولها فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها فقد عصى الله فهو في النار.
القسم الثاني: المسائل الظاهرة المعلومة من الدين بالضرورة: وهي المسائل البينة الجلية التي يعلمها الخاص والعام وعامة المسلمين من دون تأمل ولا نظر علما ضروريا، مثل تحريم الزنا والربا ووجوب الزكاة والصلوات المفروضة وغير ذلك، فهذا لا يعذر فيه بالجهل إلا في حالين:
الحال الأولى: حديث عهد بإسلام.