رحمه الله، وكم منا الآن من يعزم على نفسه ثم لا تمكث أيام ويرجع، أو حتى لا يمكث ساعات، وقد سمعنا وسمعتم من عزم على نفسه ألا يشرب الدخان، وبعضهم أقسم بالله، وبعضهم نذر لله، وبعضهم عاهد الله أنه ما يشرب الدخان ولا يرجع إليه، وشرب ورجع، نسأل الله السلامة.
وبعضنا أيضا يعزم على أن يقوم الليل، لكن النوم يغلبه، فأين العزائم هذه؟ أربعون عاما يبقى منفِّذا لعزائمه!!
[وكان يُملي بمكّة، ولم يكن يُمْلي بها حين تولّى مكة المصريّون، =أي الرافضة العبيديون=، وإنّما كان يُمْلي سرًّا في بيته.
وقال ابن طاهر: دخلتُ على الشّيخ أبي القاسم سعْد وأنا ضيّقَ الصَّدر من رجلٍ من أهل شيراز لا أذكره، فأخذت يده فقبَّلتها، فقال لي ابتداءً من غير أن أُعْلِمه بما أنا فيه: (يا أبا الفضل، لا تضيِّق صدْرَك، عندنا في بلاد العجم مَثَلٌ يُضْرَب، يقال: بُخْلُ أهوازيّ، وحَمَاقةُ شِيرازيّ، وكَثْرةُ كلام رازيّ) . ودخلتُ عليه في أول سنة سبعين لمّا عزمتُ على الخروج إلى العراق حتّى أودّعه، ولم يكن عنده خبرٌ من خروجي. فلمّا دخلت عليه قال:
(أَرَاحِلُون فنبكي، أم مُقِيمونا؟)
فقلت: (ما أمر الشّيخ لا نتعدّاه) .
فقال: (على أيَّ شيءٍ عَزَمْت؟) قلت: (على الخروج إلى العراق لألحق مشايخ خُراسان) . فقال: (تدخل خُراسان، وتبقى بها، وتفوتك مصر، ويبقى في قلبك؟ فاخرج إلى مصر، ثمّ منها إلى العراق وخراسان، فإنه لا يفوتك شيء) ، ففعلتُ، وكان في ذلك البركة ...
وقال أبو القاسم ثابت بن أحمد البغداديّ: رأيتُ أبا القاسم الزَّنجانيّ في المنام يقول لي مرةً بعد أخرى: (إنّ الله يبني لأهل الحديث بكلّ مجلسٍ يجلسونه بيتًا في الجنّة) ، =نسأل الله أن نكون منهم، اللهم آمين.=
وُلِد سعد في حدود سنة ثمانين وثلاثمائة، أو قبلها، وتُوُفّي في سنة إحدى وسبعين، أو في أواخر سنة سبعين بمكّة] .