فهرس الكتاب
الصفحة 59 من 76

ففاوضه فوجده عاميا، ما عنده علم، عفطيا [1] ما عنده وعي ولا يعقل، فاستقرأه فاتحة الكتاب فبدل ألفاظها، لا يحفظ، فاستقرأه التشهد، فقرأ: (التهيات لله، والصلوات التيبات) ، وكثر تعجبه وغيظه، وأزرأ بالعامة، يعني نكل بهم، حيث غرهم قشف هذا الرجل مع جهله، قال لوزرائه:

(ما أعمل بشأنه؟ فهذا إنسان محير) ، فأشار بقتله، فقال: (لست أرى ذلك، إنه شهر نفسه بالزهد، والأمير عندما يقتل الزاهد يكون العامة ضده، فهذا مسكين عابد مسكين، ومعه سبحة، فلا أحب أن يحدث عني أني أقتل زاهدا) ، قالوا:

(والرأي للأمير) ، قال:

(فإني أرى فيه من هذا الإقليم، وأطهر مملكتي منه ومن أصحابه، ومن يتولى قتله غيري، فعزم عليه عزيمة؛ ألا يقيم في شيء من أعمال مملكته، وأنه متى رؤي في موضع في بلاده غير عابر سبيل فقد أهدر دمه) .

فخرج من ناحية سجستان لأصحابه، وامتد إلى أرض نيسابور واستقبله أهلها بالرحب، وتمسكوا به وقبلوه بأحسن قبول، وعظمت الفتنة على الخاصة وأهل العلم به، وأعياهم أمره.

فاجتمعوا إلى محمد بن أبي إسحاق ابن خزيمة؛ وكان شيخ الوقت غير مدافع، وإماما في سائر العلوم الدينية، وساماني ملك الشرق يكتب إليه: (إمام الأئمة، وحبر الأمة) .

فحين استفحل أمر ابن كرام، وانتشر في قوله في أعمال نيسابور كاتب محمد ابن إسحاق السلطان، (وأن البلية قد عظمت على العامة للرجل، وأمره يزداد كل يوم انتشارا) ، يعني ما قام هو وعمل له خلية وذهبوا لاغتياله، لا بل أرجع الأمر إلى ولي الأمر، فكتب السلطان إلى نائبه بنيسابور؛ أن يمتثل بما يأمره به الشيخ محمد بن إسحاق، ولا يخالفه في أي شيء أشير إليه، فجمع أهل العلم فقالوا:

(ليس نجد رأيا أرشد من رأي إبراهيم بن الحصين في إخراجه من ناحية الأمير الأول، عندما أخرجه من ناحية) ، فأمر الأمير بإخراجه فخرج معه من أماثل نيسابور خلق كثير، قيل: (من جلدة الناس، غير تبع) ، وامتد على

(1) العفطي: الذي يضرط بشفتيه وهي مستعملة في العامية العراقية إلى الآن. وفي القاموس المحيط (ص: 678) : [عَفَطَتِ العَنْزُ تَعْفِطُ عَفْطاً وعَفيطاً وعَفَطاناً، محركةً: ضَرَطَت. ورجُلٌ عافِطٌ وعَفِطٌ، ككتِفٍ] .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام