أما فضائل السور فقد أورد عنه حديثا صحيحا في فضل سورة الفتح، قال الفيروزآبادي:"عن ابن عباس: لما نزلت هذه السورة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ... (لقد أنزل عليّ سورة هي أحب إلي من الدنيا وما فيها ... ) [1] " [2] .
وقد اعتمد عليه في القراءات اعتمادا ملحوظا ففي قوله تعالى: {وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} [غافر: 32] ، قرأ ابن عباس - رضي الله عنهم - والضحاك والأعرج وأبو صالح (يوم التنادِّ) بتشديد الدال، أي: يند بعضهم من بعض، واستشهد الفيروزآبادي على ذلك بقوله تعالى: ... {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) } [عبس: 34 - 35] معززاً لما ذهب إليه ابن عباس في هذه القراءة [3] .
ومن ذلك أيضاً أنه يشير إلى اللغة التي تكون منها هذه القراءة, فقراءة ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87] , بكسر الياء الأول من يَيْأَس، أي: (يِيْأَسُ) ، يقول:"هذا على لغة تميم وأسد وقيس وربيع, يكسرون أول المستقبل إلا ما كان في أوله ياء نحو يعلم لاستثقالهم الكسرة على الياء , وإنما"
(1) أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده بلفظ: (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ قَالَ فَقُلْتُ لِنَفْسِي ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْكَ قَالَ: فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي فَتَقَدَّمْتُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ قَالَ فَإِذَا أَنَا بِمُنَادٍ يُنَادِي يَا عُمَرُ أَيْنَ عُمَرُ قَالَ: فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم: نَزَلَتْ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ سُورَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا(1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:1 ـ 2] ). مسند الإمام أحمد: أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني، ت 241هـ، مؤسسة قرطبة - مصر، (د. ط) ، (د. ت) ، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها، رقم 209، 1/ 31. تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط البخاري رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي نوح عبدالرحمن بن غزوان فمن رجال البخاري.
(2) البصائر 1/ 433، بصيرة في يا أيها الذين آمنوا.
(3) ينظر: البصائر 5/ 31، بصيرة في نحر وخل وندم.