المبحث الثالث
الوحي
لقد ذكرت آنفاً: أن الرسول إنسان أُوحِيَ إليه بشرع وأُمِرَ بتبليغه للناس، فالرسالة متلازمة مع الوحي فلا رسالة إلا ويرافقها وحيٌ [1] .
ولكن الإنسان يتساءل عن طبيعة هذا الوحي وعن أنواع هذا الوحي [2] ، وإن شاء الله تعالى سوف أبين هذا بالتفصيل، وعلى النحو الآتي.
أولاً: الوَحْيُ لغةً: أطلقت كلمة الوحي في أصل اللغة على معان متعددة:
1 ـ قال الفيروزآبادي:"قال أَبو القاسم الأَصْفهانيّ: الوَحْىُ: الإِشارَةُ السَّرِيعة، ولِتَضَمُّن السُّرْعَة قيل: أَمرٌ وَحِىٌّ، وذلك يكونُ بالكلام على سَبيل الرمْزِ [3] ، أَو التَعْرِيض [4] ، وقد يكون بصوت مُجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة وقد حُمل على ذلك قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:11] ، فقد قيل رمز، وقيل: أشار، وقيل: كَتب وحمل على هذه الوجوه أيضاً قوله تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:112] " [5] .
2 ـ الإلهام: قد يكون الوحي إسراع الروح الإلهي بالإيمان بما يقع به الإخبار والمفطور عليه كلُّ شيء مما لا كسب فيه من الوحي أيضاً، كالمولود بتلقم ثدي أمه،
(1) ينظر ذلك في تعريف الرسول في الاصطلاح الشرعي ص 497 من الرسالة.
(2) العقيدة الإسلامية للدكتور الخن والدكتور مستو ص 271.
(3) الرمز: الإشارة والإيماء بالشفتين والحاجب. مختار الصحاح ص 108.
(4) التعريض: ضد التصريح ... وهي التورية بالشيء عن الشيء. مختار الصحاح ص 178.
(5) البصائر5/ 179، بصيرة في وحي.