المبحث الأول
التَّوحيد
تمهيد:
قال تعالى: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] .
إنَّ عقيدة التوحيد في تاريخ البشرية أقدم من العقائد الوثنية جميعاً، وُجِدَت كاملةً منذ وُجِدَت؛ لأنها ليست نابعةً من أفكار البشرية ومعلوماتهم المرتقبة، إنما هي آتية من عند الله سبحانه وتعالى، فهي حق منذ اللحظة الأولى، وهي كاملة منذ اللحظة الأولى، وهذا ما يقرره القرآن الكريم، ويقوم عليه التصور الإسلامي، فقد هبط آدم عليه السلام إلى الأرض ليقوم بمهمة الخلافة فيها بعد أَن تلقى من ربه كلماتٍ فتاب عليه، وأخذ عليه العهد والميثاق أن يَتَّبِعَ ما يأتيه من هَدْيِ الله، ولا يَتَّبِعَ الشيطان فإنه عدوه، وعدو لله سبحانه.
قال تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) } [البقرة: 36 ـ 39] .
هبط آدم عليه السلام إلى الأرض مُسْلِماً لله، مُتَّبِعاً هُدَاه، وما من شكٍّ في أن الله تعالى عَلَّمَ نَبِيَّهُ الإسلامَ جيلاً بعد جيل، وأنَّ الإسلام كان أول عقيدة عرفتها البشرية في الأرض، ثم انحرفت عن الإسلام بفعل الشيطان عدو الله وعدو الإنسان، وَعُبِدَت يغوث ويعوق ونَسْرٌ، فجاء نوح ومن بعده من المرسلين عليهم السلام ليعيدوها إلى أول عقيدة عُرِفَت في الأرض، إنها عقيدة الإسلام القائمة على توحيد الإلوهية والربوبية والحاكمية لله وحده سبحانه، وَكَذَبَ علماء الأديان المقارنة القائلون بتطور