فأرسل الله تعالى رسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ يبينون للناس ويؤكدون أن هناك بعثاً وحساباً، وجَنّة وناراً وملائكة وجنّاً، وغير ذلك من الحقائق الثابتة من عالم الغيب، وإن هذه العوالم ليست احتمالات وهمية، وخيالات فرضية وعلى الإنسان أن يؤمن بوجودها إيماناً لا يخالجه أدنى شك، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [آل عمران: 179] ، أي: أَنَّ الله تعالى يرسل رسله ليعلموا الناس بأحوال الغيب، وبذلك يترجح جانب الوجود على جانب العدم ويجب الإيمان بمعناه ولولا إرسال الرسل لما اهتدى الإنسان إلى وجودها وأحوالها [1] .
ثالثاً: إيجاد منهج صالح يكفل للإنسان السعادة:
الإنسان محدود العلم لا يستطيع أن يحيط بما هو كائن، ولا بما كان ولا يستطيع أن يعلم ما سيكون، وهو بالإضافة إلى ذلك يقع تحت مؤثرات كثيرة كالمال والحب والجاه، والبغض، والقرابة وتأثير السلطة التي قد تستخدمها بعض الدول على بعض المواطنين لإرغامه على تَصَرُّفٍ معين، لهذا فإن الإنسان غير صالح لوضع النظم الثابتة الدائمة المبنية على الدراسة الموضوعية المطلقة، مما يحقق العدالة من غير محاباة ولا تمييز، لأن النظام الثابت لا بدّ أن يصدر من علم محيط بكل شيء، وذات مُحررةٍ من كل هوى وكل مؤثر ومن حكمة تضع الأمور في مواضعها، ولا يتوافر ذلك إلا في الذات الإلهية، فالتشريع العادل لا يصدر إلا عن الله تعالى لأنه سبحانه هو وحده صاحب العلم المحيط، وهو الحكيم الذي ليس لحكمه نهاية والمنزه عن التأثير بأي مؤثر من المؤثرات مهما كان فتشريعه هو التشريع الصالح لخلقه قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19] .
(1) ينظر: الجامع لأحكام القرآن 2/ 630.