أَحْلَلْتُ لهم وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي ما لم أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا) [1] .
وإذا تتبعنا تاريخ العقيدة منذ فجر الإنسانية حتى اليوم وجدنا أنَّ بعض الناس قد ضلوا في الاهتداء إلى هذا الخالق المدبر فظنه جماعة الشمس فعبدها، أو القمر أو كوكباً آخر فتوجهوا إلى ما اعتقدوه بالعبادة، وأتجه قوم إلى الأرض فالهو بعض ما عليها من مخلوقات. وهكذا تخبط الإنسان في الضلال فلم يستطع الاهتداء إلى الإله الحقيقي، خالق هذا الكون ومدبر أمره، فكان لا بد من مرشد يرشده، ويأخذ بيده إلى معرفة هذا الإله العظيم والمدبر الحكيم ويبين له أن ما ألهه من مناظر الطبيعة إن هي إلا مخلوقات الإله الخالق المدبر، وهؤلاء المرشدون هم الرسل الذين أرسلهم الله عز وجل ليقوموا بهذا الأمر خير قيام ـ عليهم الصلاة والسلام ـ
ثانياً: إطلاع الإنسان على المغيبات التي تتعلَّق به:
الإنسان ذلك الموجود المادي، يعيش في هذا العالم المادي، ولا يقع تحت مشاهدته، إلا ما هو مادي، ولذلك كان جاهلاً جهلاً تاماً بما وراء هذا العالم المادي.
ولكن هنالك عوالم لا تقع تحت مشاهدته، وهو به حاجة إلى معرفة بعضها، إذ له علاقة بحياته ومصيره، ولا يمكن أن يتوصل إليها بجهد فكري ولا بتأمل عقلي، وذلك كوجود الملائكة والجن، والبعث والحساب، والجنة والنار، والصراط والميزان فهذه الأمور هي بعيدة كل البعد عما يتناوله العقل بأحكامه من الوجود والعدم، لأنها بنظره يمكن أن تكون موجودة، ويمكن ألا تكون موجودة ت فترجيح أحد الاحتمالين لا بد له من مرجح يقول كلمة الفصل التي لا جدال فيها في ذلك، لذلك كان الإنسان بحاجة إلى من يؤكد له وجود هذه العوالم ويعرَّفه على أحوالها.
(1) صحيح مسلم: كتاب الجنة وصفات نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يُعْرَفُ بها في الدنيا أهلُ الجنة وأهل النار، رقم 2865، 4/ 2197.