الحالات التي لم تتصل بهم، ولما كان الإنسان في الصورة والصفة والمعنى أكمل من جميع الحيوانات كان المتصل به من ذلك أفضل الأرواح، وليس لأحد من العالمين وقوف على سر تلك اللطيفة وحقيقتها، والله المنفرد سبحانه بعلم ذلك، والحكمة فيه - إن شاء الله تعالى - أن يتأمل الإنسان ويسلط قوة فهمة وفكره، ويتحقق أنَّ الروح الذي جعل الله الحياة، والروح والراحة والقوة والحبس والحركة والفهم والفكر والسمع والبصر والنطق والفصاحة والعلم والعقل والمعرفة من ثمراته ونتائجة وله به نسب وإضافة من وجوه عدة، وهو يباشره ويعاشره مدة حياته وطول عمره، وفي اليقظة والمنام والقعود والقيام، ودوام الموافقة والمرافقة والصحبة، ومع ذلك لا يصل علمه إلى شيءٍ من كنه حقيقته ودرك معرفته، فكيف يطمع في الوصول إلى ساحة إدراك جلال من تنزه من الكم والكيف، وتقدست ذاته عن الرين والريب، وبعدت صفاته عن الشين والعيب في عزة جلاله لا وقوف عليه ولا وصول إليه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] [1] .
وفيما يخص الأنبياء فقد أفرد لهم باباً تناول فيه ذكرهم وذكر أعدائهم، فأورد أسماء الأنبياء الذين ذكروا في القران الكريم، وبعض الأعداء مثل إبليس وفرعون والسامري وغيرهم، كما ذكر بعض من ذكر في القرآن كالخضر ولقمان ومريم وغيرهم، فمن ذلك ذكره عيسى - عليه السلام -، فيأتي على اسمه من حيث اللغة: وهو اسم أعجمي غير منصرف للعجمة والعلمية، وقيل اشتقاقه من العيس وهو البياض، والأعيس: الجمل الأبيض، وجمعه: عِيسٌ، قيل له عيسى لبياض لونه، وقيل من العوس: وهو السياسة، كما أورد خمسة وعشرين اسما أودعها الله في القرآن دالاً فيها على مدحه وفضله، منها مؤيد قوله تعالى: {وَأَيَّدْنَاهُ} [البقرة: 87] ، مسيح
(1) ينظر البصائر 3/ 106 - 107، بصيرة في الروح.