أبداً والابتداء بما بعدها، حتى قال بعضهم: إذا سمعت (كلاّ) في سورة فاحكم بأنها مكية؛ لأنَّ فيها معنى التهديد والوعيد، وأكثر ما نزل ذلك بمكة، وقد عقب الفيروزآبادي على هذا القول بأن فيه نظراً؛ لأنَّ لزوم المكية إنما يكون على اختصاص العُتُوِّ بها لا عن غلبته ثم لا يظهر معنى الزجر في (كلا) المسبوقة بنحو قوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 8] وقوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] ، وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19] .
وفي بعض الأحيان لا ينقل الفيروزآبادي نصوصا عن الخليل مباشرة فمن ذلك عند تعرضه لبصيرة (لب) ومعناها من حيث ورودها في القرآن الكريم، قوله:"لبَّ بالمكان وأَلَبَّ به إِذا أَقام به، حكاه أبو عبيدة عن الخليل ومنه قولهم: لبيك، أنا مقيم على طاعتك" [1] .
ثانياً: سيبويه:
هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسيبويه، رأس النحويين البصريين وإمامهم، صاحب (الكتاب) ، أخذ اللغة والنحو عن الخليل، وعن يونس، وعن عيسى بن عمر، وعن الخطاب الأخفش الكبير، ومن تلاميذه وأصحابه أبو الحسن الأخفش وقطرب محمد بن المستنير، توفي سنة (180هـ) في ايام الرشيد عن اثنين وثلاثين عاماً [2] .
(1) البصائر 4/ 413، بصيرة في لب.
(2) ينظر: كتاب سيبويه: أبو البشر عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه، ت 180هـ، تحقيق: عبد السلام هارون، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1/ 3 - 8، والبداية والنهاية 10/ 267، والبلغة في تاريخ أئمة اللغة 173 - 176.