وإذا لم يضحِّ المسلم بذلك كله لأجل"لا إِلَهَ إِلاّ الله"، فَلأَيِّ شيء إذاً تكون التضحيات؟ ولأجل ماذا يخالف وينازع ويحب ويبغض ويعادي؟ وفي سبيل ماذا يقاتل ويقتل إذاً؟ أي نقل بل أي عقل يخالف هذا يا أولي النقول والعقول؟ إنه الأصل الذي كان يُنشر الصالحون من أجله، ويحملون على ألواح الخشب ويمشطون بأمشاط الحديد دون اللحم والعظم، إنه الأصل الذي من أجله عُذب وهاجر وقاتل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، إنه الأصل الذي لا زالت من أجله تتدفق شلالات الدم عبر التاريخ الإسلامي، ليس من عهد الصحابة وحسب بل قبل ذلك بكثير، وعلى مدار دعوات الرسل وأتباعهم من المصلحين [5] .
ثم أليست هذه هي ملة أبينا إبراهيم التي أمر نبينا صلى الله عليه وسلم وأمرنا باتباعها في محكم التنزيل، أَلَمْ يُعلنها إبراهيم عليه السلام والذين معه ويصدعوا بها على رؤوس الملأ في زمانهم، كما أخبر تَعَالى عنهم: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4] .
وتأمل تقديمه سبحانه {الْعَدَاوَةَ} على {الْبَغْضَاء} لكونها أظهر، وتأمل قوله تَعَالى: {بَدَا} أي ظهر وبان.
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، الحديث) [6] .
نسأل الله تَعَالى أن يجعلنا منهم.