فهذا زمان امتُحن فيه أهل الإيمان وابتُلي فيه دعاة الإسلام بقَبض العلماء العاملين الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلاّ الله، ولا يخافون في سبيله سبحانه لومة لائم أو شماتة شامت أو عداوة عدو أو كيد كائد، ويقودون الأمة بالكتاب والحديد، لا بالكتاب وحده ولا بالحديد وحده، كحال كثير من الدعوات.
بل كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عند قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَاسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25] ، قال: (قوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر وكفى بربك هاديا ونصيراً) اه.
أين هم أولئك العلماء الذين يتقدمون الصفوف ويقودون الأمة ويتصدون للطغاة، إن واقعنا اليوم أليم جداً، فإلى الله وحده نشكو وحشتنا وما حل بهذه الأمة من ذهاب العلماء العاملين، وذهاب الإخوان وقلة الأنصار والأعوان القائمين بتكاليف التوحيد حق القيام، هم اليوم والله في الناس كالشعرة البيضاء في الجلد الأسود، أين العنقاء لتطلب؟ وأين السمندل ليجلب؟ لم يبق إلاّ رسوم قد درست، وأعلام قد عفت عليها عواصف الهوى وطمستها محبة الدنيا وحظوظ النفس، إلى الله وحده نشكو هيمنة الضلال وغلبة الهوى وتوافر أسباب الفتن وانطماس أعلام السنن وإمارة السفهاء وحكم الرويبضة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.