أضف إلى هذه المأساة؛ أن حال كثير من دعاة هذا التوحيد الناقص المبتور لم يقف عند السكوت عن بيان شرك العصر وعدم تحذير الناس من أوليائه وحسب، بل إن كثيراً من هؤلاء الدعاة قد أمسوا جنوداً للشرك وحُراساً للقانون وشرطة للدستور وحماة للطواغيت، هم لهم جندٌ محضرون، لا يعرف أكثرهم البراءة إلا من المتصوفة وشعوذاتهم، والروافض وباطلهم، وعُباد القبور وشركياتهم، وما إلى ذلك - وهذا حق - ولكنك إذا اقتربتَ من عبيد الياسق، وقوانينهم، وظَلامهم، وظُلماتهم ومواقف هؤلاء الدعاة وطرائقهم معهم، فإنك سترى عجباً، وليس الخبر كالمعاينة، يغدو الواحد من هؤلاء يدرسُ ويُدرِّس التوحيد، بل ويحفظه ولا يمنعه توحيده هذا، من إظهار الولاء لأذناب الفرنجة وعبيد القانون، وإنما كل الناس عنده إخوان يُصاحب أولياء الأوثان، كما يصاحب عِباد الرحمن، ويأنس بالمنقلب على عقبيه، كما يأنس بالثابت على الإيمان.
يغدو يبيع دينه لأجل وظيفة أو رتبة، وعلى رأسه وفوق أكتافه شعار الطاغوت وشعار حكومة الياسق، ويقسم على الولاء لعبيد القانون وعلى احترام قوانينهم الكفرية، ينتسب إلى الحق ويُوالي من خرج عنه وعق فماذا بقي من توحيده [4] ؟
يظنون أن الدين لبيك في الفلا وفعل صلاة والسكوت عن الملا
وسالم وخالط من لذا الدين قد قلا وما الدين إلاّ الحب والبغض والولا
كذاك البرا من كل غاو وآثم
وإن تعجب لواقع هؤلاء، فعجبك أشد لمن ذهب يكفر الطواغيت وحكوماتهم من منطلقات الحماس الأجوف أو التقليد أو غيره، ثم لا يؤثّر هذا المذهب والاختيار في مناهجهم وطرائقهم ودعواتهم، بل الحال هو الحال والمداهنة كما هي والسير في ركاب الظالمين مستمر، فماذا استفادوا إذاً من الدندنة والخلاف في التكفير، إذا كان التكفير لا يعدّل لهم طريقاً أو يقوّم منهجاً، ويا ليتهم لم يكفِّروا الطواغيت ولكنهم على الأقل كَفَرُوا بقوانينهم وعادوا باطلهم وتبرؤوا من ظلماتهم وكَفُّوا عن مداهنتهم.