ورحم الله الشيخ سليمان بن سحمان، إذ يقول في رسالة له في بيان معنى الطاغوت، بعد أن بين أن الموت وذهاب الحياة كلها أهون من الشرك والكفر، مستدلاً بقوله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ} ، {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ} ، قال: (فلو ذهبت دنياك كلها لما جاز لك المحاكمة إلى الطاغوت لأجلها، ولو اضطرّك وخيّرك بين أن تحاكم إلى الطاغوت أو تبذل دنياك؛ لوجب عليك البذل، ولم يجز لك المحاكمة إلى الطاغوت) اه [الدرر السنية: ص 285، من حكم المرتد] .
ويقول المودودي رحمه الله تَعَالى في كتابه"الحكومة الإسلامية": (إن احتكامنا للمحاكم - التي وضع الطاغوت - لتقضي وتفصل في أمورنا ومشاكلنا؛ أمر ينافي الإيمان ويناقضه، إنما يقضي الإيمان بالله وكتابه أن يرفض الإنسان التسليم بشرعية هذه المحاكم، لأن الإيمان بالله والكفر بالطاغوت أمران متلازمان في القرآن، وطاعة الله والطاغوت في آن واحد هو النفاق بعينه) اهـ.
ورحم الله السلف الذين كانوا يفرون من أمثال هذه الوظائف في أزمنة الشريعة والخلافة والفتوحات، وكانوا يقولون: (من ولي القضاء فقد ذبح نفسه بغير سكين) [133] .
فيا لهف نفسي لو اطلعوا على كثير ممن يستميتون على هذه الوظائف من أهل زماننا الهادمين لدينهم الناحرين للتوحيد على مذابح الياسق والشرك والتنديد، ماذا كانوا يقولون؟ أما آن لهؤلاء أن يرعووا عن ضلالهم؟ أو يستحيوا على الأقل من الانتساب والتمسح بطريقة أولئك السلف الأعلام الأماجد.
وأختم هذا بكلام العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى في"حاشية عمدة التفسير" [4/ 174] قال وهو يتكلم عن الياسق العصري: (أفيجوز إذن - مع هذا - لأحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد - أعني التشريع الجديد - أوَ يجوز لأبٍ أن يرسل أبناءه لتعلم هذا واعتناقه واعتقاده والعمل به عالماً كان الأب أو جاهلاً؟ [134] .