[5] ونذكر هنا تذكيراً عابراً بقصة الغلام المؤمن من أصحاب الأخدود الذي أظهر دين الله تعالى وتوحيده إظهاراً عظيماً دخل الناس على إثره في دين الله أفواجاً معلنين توحيدهم وإسلامهم فشق لهم طغاة ذلك الزمان الأخاديد وأضرموا فيها النيران وحرقوهم تحريقاً، ويخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بتفاصيل خبرهم وقصتهم كما في صحيح مسلم تثبيتاً وحثاً وتعليماً، ولم يسم صلى الله عليه وسلم صدع الغلام وصدع المؤمنين بدينهم؛ فتنة ومفسدة أو ضرراً لمصلحة الدعوة، رغم ما حل بأولئك المؤمنين من عذاب وتقتيل ورغم أنهم لم تقم لهم قائمة أو دولة ولكنهم حققوا نصرة دين الله تعالى وتوحيده وإعلاء كلمته وإعزاز أمره وإظهار البراءة من الشرك وأهله، وهذه هي الغاية، وما الدولة وما الخلافة إلا وسيلة من وسائل تحقيق هذه الغاية العظمى، والأمثلة كثير وكثير.
[6] رواه مسلم وغيره.
[7] وهذا لا يتعارض أبداً مع الأخذ بأسباب السرية والكتمان في جانب التخطيط والإعداد، وسيرة المصطفى تمتلئ أدلة على أهمية الاستعانة بالكتمان بل واستعمال الفطنة والحيل والتورية والمعاريض في إرباك العدو وإيهامه وغير ذلك مما هو مبسوط في الثابت من السيرة وليس هذا محل بسطه، فهذه قضية، وإعلان الدين وإظهاره قضية أخرى لا تتعارض أبداً مع كتمان جانب الإعداد، وإن توهم كثير من الدعاة خلاف ذلك.