فهرس الكتاب
الصفحة 8 من 189

والطوائف في ذلك متنوعة فمنهم طائفة المرجئة وغلاتهم يقولون: إن الإيمان هو تصديق القلب فقط، وهم الجهمية، وقد جاءوا بجملة من البدع، ومن هذه البدع أنهم لزموا بقولهم وقالوا بالجبر، ونفوا صفات الله عز وجل، وقالوا بفناء النار؛ لأن لازم الجبر والقول بأن الإيمان تصديق القلب هو فناء النار لعدم ورود العقاب من الله سبحانه وتعالى، ويلزم من ذلك أيضاً أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لأن مقره القلب، والزيادة إنما تطرأ على قول اللسان وعمل الجوارح فهي التي يستقل منها الإنسان ويستكثر، وهذا منتفٍ، فيجعلون الناس على إيمان واحد، وهؤلاء هم غلاة الجهمية، ولازم قولهم جملة من المفاسد، ومن جملة هذه المفاسد أنهم يقولون: إنه لا يوجد ضلال، ولا يوجد أخيار ولا هداة، ولا كفار ولا مؤمنون، كل يعبد الله جل وعلا، فمن عبد الحجر عبد الله، ولزم من ذلك أنهم نفوا صفات الله عز وجل، وقالوا: إن الله حال في كل مكان، بل قالوا: إنه لا يوجد خالق ومخلوق، ولا يوجد عابد ومعبود، فكل ما يعبد ويتوجه إليه يتوجه إلى الله، والله حال في العبد، وتحيروا في ذلك تحيراً بالغاً، فكلما استحضروا شيئاً التزموه حتى قال قائل: العبد رب والرب عبدفيا ليت شعري من المكلفوهؤلاء التزموا بكثير من اللوازم الفاسدة من قولهم بإيمان فرعون وإيمان إبليس، فإن إبليس يصدق بقلبه -كما هو ظاهر القرآن- أن الله جل وعلا رب وهو المالك والمتصرف؛ ولهذا سأل الله جل وعلا الإنظار: قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الحجر:36] ، فأنظره الله سبحانه وتعالى، ولا يسأل ذلك إلا عالم بأن الله قادر على الإنظار، وهذا يلزم منه أن يقال بصحة إيمان إبليس وعدم ورود العذاب عليه، وأما آيات العذاب وأحاديث العذاب الواردة على إبليس وفرعون فقد تأولوها بمعانٍ فاسدة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام