والإمام أحمد رحمه الله في ظاهر أقواله لا يدخل الأقوال في أبواب الأعمال، بل يجعلها مقتصرة على الجوارح؛ ولهذا نجد في أبواب الطلاق أن الرجل إذا طلق زوجته -والطلاق قول- فقال: أنت طالق، أن هذا لا يرجع فيه إلى نيته، ولا يستدل على هذا بقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات) ؛ ولهذا لما سئل الإمام أحمد عن ذلك قال: هذا ليس بعمل، هذا قول، لا يسأل عن النية، وكأن الإمام أحمد رحمه الله يمضي الطلاق بمجرد ورود اللفظ؛ لأن النية يرجع فيها إلى العمل، والأقوال تدخل في أبواب الأفعال كما تقدم على سبيل التجوز، والأصل المفارقة بين عمل القلب وقول اللسان وعمل الجوارح، حتى لا تشتبه هذه المسائل بأقوال المرجئة، وإن كان ذلك سائغاً في لغة العرب، بل ربما يوصف الفعل بأنه قول، فيقول الإنسان: قال فلان كذا، وأشار بيده، فوصف تلك الإشارة بأنها قول، وهذا على سبيل التجوز، لا على سبيل الغلبة. وفي حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله) ، وهذا جاء بعد السؤال عن العمل، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام أجاب بأن الإيمان هو العمل، والعمل هنا هو تصديق القلب وقوله، وكذلك قول اللسان وعمل الجوارح، فهذا كله عمل، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أمثلته وهو إيمان بالله ورسوله، ثم ذكر مثالاً آخر، قال: (الجهاد في سبيل الله) فجعل عمل الجوارح، وعمل القلب، وقول اللسان، الذي هو إيمان بالله ورسوله وشهادة أن لا إله إلا الله، كله من الإيمان، ثم ذكر (الحج المبرور) أي: أن كل هذه الصور داخلة في مسمى ومعنى الإيمان.
قال رحمه الله: [باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، وكان على الاستسلام، أو الخوف من القتل.