وفي قوله: (ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) ، إما أن تعينه بنفسك، وإما أن تعينه بآخر مثله، إما أن يكون من العبيد، أو يكون من الأجراء؛ ولهذا جاء عن عائشة عليها رضوان الله أنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادماً، وما ضرب امرأة) ، وهذا إشارة إلى سعة كرمه عليه الصلاة والسلام، وكذلك أيضاً قال أنس بن مالك: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لشيء فعلته لم فعلته، أو لشيء لم أفعله لم لم تفعله) ، وهذا مع أن أنس بن مالك كان شاباً صغيراً، وأول ما خدم النبي عليه الصلاة والسلام كان عمره عشر سنين، ويبعد بل يحال أنه لم يخطئ أو ينس أو يتجاهل وهو صبي في مثل هذا السن، فربما أمره النبي عليه الصلاة والسلام بأمر فتجاوزه إلى غيره، ومع ذلك لم يعنف عليه الصلاة والسلام، ولم يعتدي، ولم يقبح، وهذا غاية في الرحمة بالخلق، وكذلك إعانتهم على أنفسهم، وهذا ما يسمى بالتغافل، وهو الإعراض عن خطأ المخطئ حتى يدرك، والعلماء يفرقون بين التغافل والغفلة، فالغفلة: هي التي لا يشعر بها الإنسان، وتشترك مع التغافل بالأثر، فالإنسان يغفل عن شيء ولا يكون له أثر عليه، وأما التغافل فهذا شطر العافية؛ ولهذا يقول العلماء: التغافل شطر العافية. وكذلك أيضاً هو من آثار العقلاء في تصرفاتهم، وذلك أن الإنسان يعلم ويرى الخطأ ثم يسكت عنه، ويكون حاضراً في ذهنه، ثم يجمع إليه غيره وغيره وغيره وهكذا حتى يتخذ أمراً بعد ذلك، وأما الغفلة: فهي الإعراض عن خطأ المخطئ حتى يفسد على الإنسان نفسه، أو يفسد عليه دينه، أو يفسد عليه ماله وولده وعرضه.
قال رحمه الله: [باب وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] ، فسماهم المؤمنين.