وفي قوله: (فليطعمه مما يأكل) النبي عليه الصلاة والسلام قال -كما جاء في الخبر وهو في الصحيح-: (إذا جاء أحدكم خادمه بطعام فإن لم يجلسه فليعطه اللقمة واللقمتين) ، يعني: إذا لم تستطع أن تجلسه معك لوجود حرج في ذلك، كأن يكون الطعام قليلاً، ودعوت ضيفاً لا يكفيه، أو ضيفين أو نحو ذلك، فعليك أن تعطيه ما يدفع شيئاً في نفسه، وهذه السياسة من رسول الله صلى الله عليه وسلم سياسة عالية ونبوية جليلة القدر، وذلك أن الخادم وكذلك العبد إذا حمل في نفسه على سيده ربما دفعه ذلك إلى الانتقام منه، وكذلك حمل الغل والحقد عليه، وربما دفعه ذلك إلى الحرام، فإذا لم يجد ما يلبس ربما دفعه ذلك إلى التكثر من سيده بغير حق، فأخذ من ماله من غير إذن منه. كذلك أيضاً في أمر من كان تحت يدك ولو كان قاصراً، فإذا لم تعطه حقه، ولم تمنع عنه ما منعه الله عز وجل من الاحتقار، أو سلبته ما يتنعم به من لباس أو نحو ذلك، وكان بإمكانك، فإن هذا ربما يدفعه إلى أذيتك، وكذلك ربما دفعه ذلك إلى الغل والحقد، وهذا أمر محرم. ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام قال كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا) ، والنبي عليه الصلاة والسلام يريد بذلك ألا تأخذوا بأسباب التحاسد والتباغض، والتباغض هو: المنازعة على شيء من أمر الدنيا، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما منع أبا ذر من تعييره ذلك كأنه أشار إلى أن سبب الخصومة التي أوقعتك فيه هو أنه ربما أحب شيئاً من المشاكلة بينك وبينه، وهذا حق له؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام ذكر شيئاً من حقه زائداً عن المنع والعصمة له في دمه، فذكر النبي عليه الصلاة والسلام الإطعام، وكذلك الإلباس، ونحو ذلك، وهذا قدر زائد عن مسألة الضرب، أي: أنه ينبغي لك أن تعطيه حقه من الطعام واللباس زيادة عن كف الأذى الذي يقع منك إليه.