فهرس الكتاب
الصفحة 116 من 189

وفي قوله: (يا أبا ذر أعيرته بأمه) النبي عليه الصلاة والسلام نادى أبا ذر بكنيته مع أنه يحاسبه، ويريد أن يلومه على ما هو فيه؛ وذلك لأنه ربما قد وقع في خطأ من غير قصد، أو جرى على ما جرى عليه الناس، وهذا من الرحمة واللطف والشفقة بالمخالفين، وفي قوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) أي: لم تقع في الجاهلية، وإنما وقعت في شيء أو شعبة من شعبها. وفي قوله عليه الصلاة والسلام: (إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم) جعل النبي عليه الصلاة والسلام العبيد والإماء من الإخوان؛ وذلك لأخوة الإيمان، وأن كونهم تحت أيديهم لا يعني ذلك أن الإنسان يتسلط عليهم بأخذ شيء من حقوقهم ولو قل، والله جل وعلا قد خول هؤلاء الأسياد ما كان من أمرهم ونهيهم. وقوله: (خولكم) يعني: أن الله جل وعلا جعل أمرهم تخويلاً لكم بالأمر والنهي، وقد جعله الله عز وجل تحت أيديكم، وهذا على سبيل المعنى، أي: أنكم تأمرونهم وتنهونهم، وربما أنزلتم عليهم شيئاً من العقوبة، إشارة إلى انخفاض حالهم عنكم، وذلك بأخذ الأمر والنهي، والإنسان إذا كان يأمر غيره فإنه في الغالب لا يحب المشاكلة له باللباس والمركب، وكذلك المسكن، فهو يحب أن تكون منزلته دونه؛ ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك بين السيد وبين عبده، وإنما يلبسه كما يلبس، ويركبه كما يركب، إذا كان لديه فضل مال، وهذا بالنسبة للعبد. أما إذا كان مثلاً أجيراً له فإن إجارته أن يعطيه حقه فيما قدره له، سواء كان ذلك مقيداً بزمن، أو كان ذلك مقيداً بعمل محدود، فيعطيه أجره، وما عاد ذلك فإنه حر يملك أمره، يستطيع أن يذهب ويجيء، وأما بالنسبة للعبد فإنه لا يملك حيلة، ولا يهتدي سبيلاً، وهو تحت سيده لا يملك لنفسه إعتاقاً ولا حرية، وإنما هو رقيق، وأمره بيد سيده، فلما كانت العبودية في ذلك تامة وجب عليه أن يعوضه شيئاً مما فقده من اختياره.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام