وفي قوله: (لا يكفر صاحبها) يعني: يحال بينه وبين الإسلام، وكأنه غطى بينه وبين الإسلام، فجعله حائلاً. وفي قوله: (إلا بالشرك) المراد بذلك: هو الشرك الأكبر المخرج من الملة، وهو الذي ذكره الله سبحانه وتعالى بقوله جل وعلا: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5] ، وفي قوله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ؛ ولهذا ذكرها المصنف رحمه الله تعالى بعد ذكر قوله: (إنك امرؤ فيك جاهلية) ، وإنما هنا ذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه ذكره في الخبر، وذلك لأن التراجم أمارات ودلالات على معانٍ فيها، فربما جمع زبدة ما يريد ذكره في الباب وجعله في الترجمة، وإنما قال: (لا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بشرك) ، يقول: (ارتكابها) ارتكاب الذنب يعني: ركوبه، والركوب لا يكون إلا على الدابة، ارتكب فلان معصية كذا فكأنه امتطاها كما يمتطي الإنسان الدابة، وهذا لا يكون إلا عن قصد وعمد. وهنا في قوله: (لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة، قال: وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلاً فعيرته بأمه) المراد بالسب: الذم والقدح والتعيير، سواء كان ذلك بحق أو بباطل، وفي قوله: (عيرته بأمه) إشارة إلى شيء من بقايا الجاهلية من تعيير الناس بأحسابهم وكذلك بأنسابهم، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال له: (يا أبا ذر أعيرته بأمه) فيما يظهر والله أعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام إما أن يكون سمع ذلك منه مباشرة، أو أن أبا ذر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وعادة العرب أنهم ينتقصون الموالي، وليس عندهم لأعراضهم حرمة، فيقذفونهم، ويقعون أيضاً عليهم بالضرب، وربما سلبوهم ما كان من حقهم.