وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (منها ما يبلغ الثُدِي) ، الثُدِي: هو جمع ثَدي، ويكون في الغالب للمرأة، وقيل أن الثدي للمرأة، والثندوة للرجل، والصواب أنها تطلق للرجل والمرأة كما في هذا الخبر، ويحتمل أن الذين رآهم النبي عليه الصلاة والسلام رجالاً ونساء؛ لأن (الناس) يدخل في ذلك الذكر والأنثى، وهذا من الأمور المسلمة في لغة العرب؛ وفي اصطلاح الشارع؛ ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام سئل: (من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قيل له: من الرجال؟ قال: أبوها) ، فلعل النبي عليه الصلاة والسلام رأى الرجال والنساء فذكر هذا اللفظ على سبيل التغليب، والذي يظهر والله أعلم أن الثدي يطلق على الرجال والنساء، وكذلك أيضاً فإن أمور الرؤى لا تحمل على ما كان من أمور الظواهر، فإن جر القميص في الظواهر معصية، وأما في الرؤيا فهو دليل على الديانة؛ ولهذا ربما يرى الإنسان غيره قد حلق لحيته، أو يرآه مثلاً أسبل ثيابه، أو عليه ثياب حرير، أو نحو ذلك، فهذا لا يلزم منه أن يفسره على ما استقر به الحكم شرعاً.
قال رحمه الله: [باب الحياء من الإيمان. حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن الحياء من الإيمان) ] .في قوله رحمه الله: (باب الحياء من الإيمان) ، الحياء هو خصلة في الإنسان تحمله على ملازمة الخير والأخلاق الحميدة، ومجانبة الأخلاق السيئة، واشتق من الحياة؛ وذلك أن الإنسان لا تتم له حياة بطمأنينة ورغد عيش إلا بتوفر ذلك.