ولهذا قلنا: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، فمن كان معتقداً لشيء ولم يعمله بجوارحه أُخذ به كما لو عمله أحد، لهذا من اعتقد شيئاً بقلبه، وعمله بجوارحه لا يختلف عمن اعتقده بقلبه ولم يعمل بجوارحه، بل هما على السواء؛ لأن ذلك الناقص للإيمان وجد في الإنسان، سواء وجد في قلبه أو وجد في جوارحه ويكون هذا على حد سواء، كذلك أيضاً في أمر المكفر إذا وجد في القلب، أو وجد في الجوارح، أو وجد كذلك في اللسان، فإن أثره على الإنسان واحد، كذلك أيضاً في أمر العبادة، إذا وجد اعتقاد عمل والحرص على عمل، ولكن لم يتيسر له أداء ذلك فهو من جهة الثواب واحد، وهذا أثر محبة الله لعباده. كثير من الناس لا يظهر منهم أثر العبادة بالإكثار منها، ولكنه يكون من القاصدين الذين يأتون بشيء من العبادة، ويكتفون بشيء من النوافل مع فرائضهم ونحو ذلك، ولكن ربما يحرصون على شيء من الأعمال، ولا يوفقون إليها، وهؤلاء بعمل القلب يصلون إلى مراتب غيرهم من جهة القبول في الأرض، وكذلك أيضاً من جهة الفضل والمنزلة العلية عند الله سبحانه وتعالى؛ لهذا جعل النبي عليه الصلاة والسلام الحرص القلبي، كحال الحرص الجسدي.
قال رحمه الله: [باب ظلم دون ظلم] .الظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، فإذا وضعت شيئاً في غير موضعه فقد ظلمت نفسك، وظلمت غيرك إذا كان في حق غيرك، والإنسان الذي يأخذ مال أحد غصباً، أو يأخذه سرقة، أو تغريراً وتدليساً عليه، أو يأكل الربا، فهو ظالم؛ لأنه أخذ مالاً من موضع ووضعه في موضع آخر، فأخذه من حيازة أحد ووضعه في غير موضعه، فهذا ظالم، وكذلك أيضاً السارق، وكذلك أيضاً من لم يكف يده عن الناس، فقام بالضرب واللطم فهذا ظالم؛ لأنه وضع شيئاً في غير موضعه مما أمره الله، فالله وضع اليد في المباحات، وكذلك في المستحبات والواجبات، وهي أمور كثيرة، فإذا تعدت إلى غيرها فقد ظلم نفسه.