النوع الثاني: هو محو السيئة لبعض الحسنات لا لكلها، وهذا على نوعين: محو سيئة لحسنة ليست من جنسها، وهذا كحال كثير من السيئات كما في قول عائشة: (أخبريه أنه قد أبطل جهاده) ، فبيع العينة شيء، والجهاد شيء، فقد أبطلت سيئة عملاً يختلف عنها؛ وذلك لأن العينة ربا، والربا محاربة لله ورسوله، وهو يضاهي في أبواب الحسنات الجهاد في سبيل الله؛ لهذا نقول: إنها كبيرة قابلة كبيرة وعملاً جليلاً في عمل الطاعات، فتلك تصارع تلك وتمحوها. أما النوع الثاني: وهو ما كان من جنسه، أي: يقابله، وذلك كحال الصدقة، فالإنسان إذا تصدق بشيء، ثم قال: أنا تصدقت على فلان، والمن يقابل الصدقة؛ ولهذا قال الله جل وعلا: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264] ، فإبطال الصدقة بالمن والأذى أي: أن الإنسان يمن على ذلك الذي تصدق به، فيقول: أعطيتك كذا في يوم كذا، وهذا فيه قدح بالإخلاص، كذلك أيضاً الأذى للمتصدق عليه بذكره عند الناس أنه أعطاه، أو يطلب منه مكافأة له على تلك الصدقة، فهذا ينقص أجر الإنسان؛ لهذا ينبغي للإنسان أن يعلم أن السيئات لها أثر عليه في باطن أو في ظاهر، وعلمها أو لم يعلمها؛ ولهذا كلما أكثر الإنسان من السيئات بَعُد خطوة عن الله جل وعلا حتى يشعر الإنسان أنه ليس من أهل الإيمان، وذلك لقوة الظلمة في قلبه.
قال رحمه الله: [باب الجهاد من الإيمان. حدثنا حرمي بن حفص، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا عمارة، قال: حدثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير قال: سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل) ] .