فهرس الكتاب
الصفحة 134 من 189

قال: (غفر له ما تقدم من ذنبه) ، من تحقق فيه ذلك يغفر له الذنب على ما سبق، كذلك أيضاً فإن الإنسان كلما زاد إيمانه واحتسابه أتى ذلك على ما مضى من عمله، وأما بالنسبة لمن تحقق فيه الإيمان التام والاحتساب التام جاء ذلك على المعاصي كلها السابقة، وإذا كان إيمانه ضعيفاً، واحتسابه ضعيفاً، فذلك يأتي على نوع قاصر بالغفران، ولا يقال: إن الغفران ينتفي بجميع أجزائه إلا لمن كان مؤمناً إيماناً تاماً، ومحتسباً احتساباً تاماً هذا لا يأتي على أصول الشريعة، بل إن كل متعبد ولو قصرت به عبادته عن تمامها على وجه التشريع فإن عمله ذلك يأتي على شيء يقابله، وينبغي أن نعلم أن في قوله عليه الصلاة والسلام: (غفر له ما تقدم من ذنبه) إشارة إلى ما تقدم أن الحسنة تذهب السيئة، كذلك أيضاً فإن السيئات تذهب الحسنات، وهذا ما يجهله كثير من العامة وقد أشار إلى هذا غير واحد من العلماء، وقد نص عليه الإمام أحمد، وكذلك أيضاً ابن رجب، وكذلك أيضاً ابن القيم رحمهم الله، والأدلة في ذلك معلومة. وقد جاء في المسند من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى أنها قالت لأم زيد بن أرقم: (أخبريه أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب) ، وهذا لما تبايع بالعينة، وفيه إشارة إلى أن الذنب إذا وقع فيه الإنسان يأتي على شيء من الطاعات؛ ولهذا تجد بعض المذنبين في وجوههم ظلمة؛ لأن ظلمة المعصية ونور الطاعة يتصارعان بين ظلمة ونور، سواء كان ظاهراً أو باطناً، وكلما أكثر الإنسان من المعصية أثر ذلك عليه، ولهذا فللمعصية أثر على باطن الإنسان وظاهره، على باطنه من جهة الذنوب وما يتعلق بها من نماء وزيادة، وكذلك أيضاً من جهة الحسنات فإنها تمحو السيئات، وبين الحسنات والسيئات صراع، هذه تمحو وهذه تمحو، والغلبة في ذلك للأغلب. ولهذا نقول: إن محو السيئات للحسنات على نوعين: محو كلي بالكامل، وهذا يقع من الشرك في مقابل سائر الحسنات، فليس ثمة حسنة مع الشرك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام