فهرس الكتاب
الصفحة 133 من 189

وهنا يشير إلى أن الأعمال تكون من الإيمان ولو كانت ظاهرة، وفي قوله: (باب قيام ليلة القدر من الإيمان) هذا استنباطاً من هذا الحديث، وإلا فكل قيام الليالي من الإيمان، سواء ليلة القدر أو غيرها، وإنما أرد أن يدلل على الشيء من نصوص الشريعة في نسبة الأعمال الظاهرة أنها من الإيمان، وهذا فيه رد على المرجئة -كما تقدم- الذين يخرجون الأعمال من مسمى الإيمان في قولهم: إن الإيمان هو عمل القلب، وقول اللسان، ويخرجون عمل الجوارح من الإيمان، وهذا ضلال. وقوله: (من يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً) ، الإيمان المراد به: التصديق، وأما الاحتساب: فهو رجاء الثواب، وفرق بين الإيمان والاحتساب، فالاحتساب هو فرع عن الإيمان، والإيمان لا يتفرع عن الاحتساب ولا يلزم من الإيمان احتساب، ويلزم من الاحتساب الإيمان؛ لأن الإنسان لا يرجو ثواباً إلا ممن آمن بقدرته على الإثابة، لهذا أعلى مراتب العمل هو أن يؤمن الإنسان بأن هذا الشيء تشريع، وأن يعلم قدره في الشريعة، حتى يعلم قدر الإثابة، فإذا عرف قدر الإثابة عرف سعة علم وفضل وكرم الرازق والواهب سبحانه وتعالى، فإذا كان يعبد إيماناً هكذا دون معرفة للثواب فإن ذلك فيه نوع قصور في علمه بذلك المعبود سبحانه وتعالى، وإذا آمن بالتشريع وعرف قدر الثواب، فإن ذلك يدفعه إلى أن يعرف قدر نعمة المنعم، وفضله عليه، وسعة عطائه، مع كثرت حاجة الناس وسؤالهم، وكثرت المصلين، وكثرت المتعبدين ومع ذلك يعطيه لوحده على هذا العمل، هذا يعطي الإنسان قوة من الإيمان والتعبد، وكذلك يغرس في قلب الإنسان الخوف والطمع والرجاء في فضل الله سبحانه وتعالى؛ لهذا ذكر الاحتساب مع الإيمان.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام