ولهذا جاء في السنن: أن عدياً عليه رضوان الله تعالى قال: (يا رسول الله! إنا لم نعبدهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليسوا إذا حرموا شيئاً أحله الله حرمتموه، وإذا أحلوا شيئاً حرمه الله أحللتموه؟ قال: نعم، قال: فتلك عبادتهم) ، فمن قال: إنه يسوغ لحاكم أو لنظام أن يشرع تشريعاً ولو حرم ما أحل الله أو العكس فإن ذلك كافر بالله العظيم، ولا أعلم في ذلك خلافاً عند سائر أئمة الإسلام من السلف والخلف من أئمة السنة، وهذه مسألة خارجة عن مسألة حكم الإنسان. ولهذا العلماء حينما يذكرون في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله أن ذلك لا يلزم منه صحة التشريع، فتلك مسألة منفكة، ومن قال: إن له التشريع فذلك نازع الله عز وجل في حقه؛ لأن الله جل وعلا جعل حكمه عبادة، قال الله سبحانه وتعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [يوسف:40] ، وينبغي أن يفرق بين التشريع، وهو تسويد ذلك العمل، وبين الحكم وبين التحكيم، والحكم يقع من السلطان، والتحكيم يقع من المتحاكم وهو الراعي، فالتحاكم يكون من الإنسان؛ ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65] ، أي: الناس يتحاكمون إلى السلطان، والحكم يكون من السلطان، والتشريع يكون منه ولكن يرتبط به تحليل وتحريم، وهذا هو الذي لا يخالف العلماء فيه.