فهرس الكتاب
الصفحة 60 من 189

وقوله هنا: (ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم) ، إنما ذكر بين الأيدي، وهو ما يتعلق بشهادة الزور، وبين الأرجل وهو ما يتعلق بالزنا، وذلك تأكيد لتحريم الزنا وبيان جرمه وغلظ تحريمه، والنهي إذا تكرر ووقع على فعل بذاته فهذا دليل على تأكيد تحريمه؛ ولهذا المحرمات في الشريعة يعلم قدرها بكثرة النصوص الواردة فيها، فإنما تتكرر النصوص تأكيداً للنهي، وإذا قل النهي عن فعل بعينه فهذا دليل على عدم تأكيد الشارع عليه، وإن كان يدخل في جملة المنهيات؛ ولهذا نجد المكروهات التي ينهى الشارع عنها كراهة تنزيه يرد فيها نص أو نصان، وأما ما كان من المحرمات فإنه يرد فيها أكثر من نص وما كان من الكبائر فالنصوص فيها متواترة، وهذا أيضاً له وجه آخر، وهو أن الشارع إذا نهى عن شيء وكان متأكداً فإنه يأمر بضده، وإذا أمر بشيء وكان متأكداً فإنه ينهى عن ضده؛ ولهذا أمر بالتوحيد ونهى عن الشرك، وأمر بالصلاة ونهى عن تركها، وأمر بالزكاة وبين عقوبة تاركها. قال صلى الله عليه وسلم: (ولا تعصوا في معروف) ، وهذا فيه أمر عظيم جليل القدر، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام مع علو منزلته، وتمام سيادته، وعصمة الله جل وعلا له وهو سيد ولد آدم إلا أنه عليه الصلاة والسلام قال: (ولا تعصوا في معروف) ، والمبايع للصحابة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الخطاب إذا توجه في مبايعة النبي لرعيته وأتباعه فإنه في غيره من باب أولى من الحكام والسادة والوجهاء والملوك وغيرهم ألا يطاعوا إلا بالمعروف، وأما طاعتهم في المعصية فهذا ضلال، ومن قال: إن الحاكم والسلطان يطاع في المعصية، وأن ذلك جائز فذلك كفر؛ لأنه قد جعل ذلك مشرعاً بمجرد أمره، فحلل ما حرمه الله؛ ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام