فهرس الكتاب
الصفحة 39 من 189

فالإنسان يتقلب في طاعة الله سبحانه وتعالى بين ثلاثة أمور، فيركب أمراً وله جناحان، يركب المحبة على سبيل الدوام، والجناح الأيمن جناح الخوف، والثاني: هو جناح الرجاء، فيخاف من الله عز وجل ويرجوه، وأما المحبة فهي ملازمة له على الدوام؛ ولهذا يقول العلماء: إن الإنسان بين الخوف والرجاء كحال الطائر بالنسبة للجناحين، فإذ اختل أحدهما اختل جانب العبادة معه، وإذا فقدت المحبة فإنه لا يتحقق له حياة على الإطلاق، فتكون المحبة كحال قلبه، والخوف والرجاء كحال الجناحين، ومن عبد الله جل وعلا بالمحبة مجردة من غير خوف ولا رجاء فهذه عقائد الزنادقة، ومن عبد الله جل وعلا بالخوف مجرداً فهذه عبادة الحرورية الخوارج، ومن عبد الله بالرجاء مجرداً فقد عبد الله على طريقة المرجئة. فالإنسان يتوسط بين هذين، فيلتزم المحبة ويتوسط بين الرجاء والخوف، ولا يغلب جانباً على جانب إلا في حالين: الحالة الأولى: يقدم فيها الخوف على الرجاء، وذلك في حال ورود المتشابهات، والدليل على ذلك حديث النعمان بن بشير، كما جاء في الصحيحين وغيرهما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام) ، فقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام بتغليب جانب الحيطة، وهي الخوف في حال وورد الشبهة، فإذا أراد الإنسان أن يقدم على شيء من الأعمال المترددة بين الحل والتحريم فعليه أن يغلب جانب التحريم، وهو تقديم الخوف على الرجاء، والذي يقدم الرجاء على الإطلاق في كل متشابهات لا بد أن يقع في الحرام ويفرط.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام