وأما الحالة الثانية: وهي تقديم الرجاء على الخوف، وهذا يكون في حال عجز الإنسان عن العمل، بأن يكون الإنسان قد حضره الموت، أو أصابه الله جل وعلا بعاهة تمنعه من العمل، كحال الإنسان المقعد الذي لا يستطيع الحج ولا الجهاد ولا الإتيان بالصلاة قائماً، فمخاطبته بفرضية الصلاة وفرضية الجهاد هذا مما لا يشرع، بل يجعله يقنط من رحمة الله، والأفضل في ذلك أن تبين له رحمة الله سبحانه وتعالى، فيغلب هنا جانب الرجاء بالله جل وعلا؛ لأن الإنسان العاجز لا يمكن أن يعمل، وتعليم العمل للعاجز يدفعه إلى العمل وهو لا يستطيع، وهذا يحمله على القنوط؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يفرغ ما في باطنه من هم لذلك المأمور به إلا بالعمل، فإذا لم يفرغه بالعمل انعكس عليه وأورثه ذلك قنوطاً، لهذا لا يعلم ولا يخوف العاجز عن العمل؛ لأن الإنسان يمتثل أمر المأمور باتقاء عقابه، ورجاء ما عنده بذلك العمل، وإذا علم أنه عاجز عن العمل حمله ذلك على القنوط. ومن أعظم أنواع المحبة الموصلة إلى الله هي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ناقل الوحي وهو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، فكل محبة واجبة لمؤمن وجب أن تكون للنبي عليه الصلاة والسلام أكثر منها، وذلك أنه سبب محبة أهل الإيمان، وإن تقسم الإيمان في العباد فإنه مجتمع في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجب على هذين الوجهين أن يحب عليه الصلاة والسلام أكثر من غيره، وقد جاء في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له عمر بن الخطاب: (يا رسول الله! إني لأحبك أكثر من نفسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا والذي نفسي بيده يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال: يا رسول الله! إنك لأحب إلي حتى من نفسي، فقال: الآن يا عمر!) يعني: أن الإنسان لا يمكن أن يتحقق فيه الإيمان حتى يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أهله وولده ونفسه.