فهرس الكتاب
الصفحة 157 من 189

ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها) ، يعني: مضى عليها قبل ذلك؛ لهذا نقول: إن تكفير الإسلام لما مضى من الإنسان مشروط بحسن الإسلام، يعني: دخل الإسلام بكل ما فيه، حتى لو وقع الإنسان بعد ذلك في الإثم، مثل الإنسان الذي يدخل الإسلام ثم يتوب من الخمر، ويتوب من الكذب والزنا والسرقة ونحو ذلك، ثم بعد سنة أو سنتين يقع في شرب الخمر، هل هذا يرجع عليه ذلك الذنب؟ لا يرجع عليه، كحال المؤمن الذي يقع في الكبيرة، ثم يتوب منها، ثم يقع فيها مرة أخرى. وقوله صلى الله عليه وسلم هنا: (وكان بعد ذلك القصاص) ، يعني: جريان ما كان على الإنسان في أمر القصاص، وهو على ما تقدم في ذكر المظالم، المتعلقة بحقوق بني آدم. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها) ، وهذا من رحمة الله بعبادة، وهذا مقتضى أن رحمة الله سبقت غضبه جل وعلا، وتضعيف الله عز وجل للحسنات ثمرته في ذلك دخول المؤمنين الجنة، وأن المؤمنين من هذه الأمة أكثر من يدخلون الجنة وأقل أهل النار؛ ولهذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: (أهل الجنة مائة وعشرون صفاً، أمتي منهم ثمانون) ، وجاء كذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام (أن هذه الأمة في النار كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض) ، يعني لقلتهم، وذلك لهذه البركة التي جعل الله عز وجل للأمة، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ما الذي يقدر هذا التضعيف من جهة الأعمال؟ الله سبحانه وتعالى يقدره بحسب ما يصدر من العبد من إحسان للعمل؛ لهذا جاء التحسين بعد إحسان العمل، إذا أتقن الإنسان العمل وأخلص ارتفعت الحسنة وتضاعفت، فإذا أتى بالصلاة بخشوع وإقبال على الله عز وجل زاد التضعيف معه، فكلما أحسن زاد التضعيف حتى يصل إلى الكمال، ويقل التضعيف بتقصير الإنسان في أبواب الإحسان.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام