وفي مناسبات أخرى كان ينتصر للزمخشري ويذهب إلى ما ذهب إليه، مؤيداً ذلك بالدليل، ومن ذلك قول الفيروزآبادي: إنَّ من قرأ: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} [مريم: 82] بالتنوين، إِما على انه مصدر كَلَّ إذا أعيى، أي عَلُّوْا في دعواهم وانقطعوا، أو من الكَلِّ هو الثقل، أي: حملوا كَلاًّ، وجوز الزمخشري كونه حرف الردع نون كما في (سلاسلاً) ، ورد عليه بأن (سلاسلاً) اسم أصله التنوين، فرد على أصله فأجاب الفيروزآبادي، ويصحح تأويل الزمخشري بقراءة من قرأ: ... {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4] بالتنوين إذ الفعل ليس أصله التنوين [1] ، ولم يعتمد الفيروزآبادي في نقله من الزمخشري على الكشاف فقط بل تعداه إلى كتب أخرى فقد أورد في بصيرة (هل) ... قوله: ونقله سيبويه فقال في المفصل [2] وعند سيبويه أَنَّ هل بمعنى (قد) ، إلاَّ أنهم تركوا الألف قبلها؛ لأنها لا تقع إلاّ في الاستفهام، وقد جاء دخولها عليها في قوله [3] :
سائل فوارِسَ يَرْبُوع بشدّتِنَا ... أَهَلْ رأَونا بسَفْح القاع ذي الأَكَمِ [4]
وقد اعتمد أيضاً على كتاب (أساس البلاغة) دون الإفصاح] وهذه عادة كثير من العلماء الأوائل [لذلك ففي تفسير قوله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} [عبس: 15] ، قال: هم الملائكة الموصوفون بقوله: {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11] (وجعلني كذا
(1) ينظر: البصائر 4/ 383، بصيرة في كَلاّ، وفي الكشاف للزمخشري: وقرء (ويسر) بالتنوين الذي يقع بدلا من حرف الاطلاق. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل: أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، ت 538هـ، دار إحياء التراث العربي - بيروت، تحقيق: عبد الرزاق المهدي. 4/ 249.
(2) ينظر: المفصل في علم العربية: محمود بن عمر الزمخشري أبو القاسم، ت 538هـ، طبع محمد أمين الخانجي الكتبي وشركاه ـ الاستانة/ مصر، الطبعة الأولى 1323هـ، 2/ 77.
(3) القائل: هو زيد الخليل، ينظر: المقتضب: محمد بن يزيد المبرد أبو العباس، ت 285هـ، عالم الكتب - بيروت، تحقيق: محمد عبد الخالق عظيمة، 1/ 44.
(4) ينظر: البصائر 5/ 334 - 335، بصيرة في هَل.