المطلب التاسع
خلود أهل الجنة وأهل النار
إنَّ الآيات القرآنية التي صرحت بخلود أهل الجنة وأهل النار كثيرة، فنذكر منها قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) } [الحجر:48] ، قال الرازي:"النصب الإعياء والتعب أي لا ينالهم فيها تعب، {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} والمراد به كونه خلوداً بلا زوال وبقاء بلا فناء وكمالاً بلا نقصان وفوزاً بلا حرمان" [1] ، وقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) } [هود:108] ، فإن إتباع الرسل ومن تبعهم منهم في الجنة خالدين ماكثين فيها أبدا وقيل في {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} ، معنى الاستثناء ههنا، أي: دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمراً واجباً بذاته بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى فله المنة عليهم دائماً، وقال الضحاك والحسن البصري: هي في حق عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ثم أخرجوا منها {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ، أي: غير منقطع، قال مجاهد وابن عباس: لئلا يتوهم بعد ذكره المشيئة أن انقطاعاً، أو لبساً [2] .
أما عن خلود أهل النار قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر:36] ، أي لهم نار جهنم لا
(1) التفسير الكبير 19/ 153.
(2) ينظر: تفسير القرآن العظيم 2/ 461.