ثانياً: العصمة في التحمل وفي التبليغ:
اتفقت الأمة على أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة [1] .
فلا ينسون شيئاً مما أوحاه الله إليهم إلا شيئاً قد نسخ، وقد تكفل الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يقرئه فلا ينسى شيئاً مما أوحاه إليه إلا شيئاً أراد الله أن بنسيه إياه بدلالة قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) } [الأعلى:6] ، أخبار من الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمه القرآن ويحفظه ولا ينساه، وقال الفيروزآبادي: إخبار وضمان من الله أن يجعله بحيث أنه لا ينسى ما يسمعه من الحق [2] ، وتكفل له تعالى بأن يجمعه في صدره بدلالة قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) } [القيامة:16 ـ 18] [3] .
قال الطبري: أن نجمعه لك في قلبك حتى تحفظه [4] ، وقال الفيروزآبادي: يراد بها جمع القراءة والمتابعة، فإذا بيناه له بالقراءة فأعمل بما بيناه لك [5] .
وقوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه:114] ، والمعنى لا تعجل يا محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى نبينه لك [6] .
وقال الفيروزآبادي: فحثَّ له التثبيت في السماع وعلى ترك الاستعجال في
(1) نقل الإجماع على العصمة في هذا أكثر من واحد، ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 10/ 298، ولوامع الأنوار البهية 2/ 204، والرسل والرسالات ص 95 ـ 96.
(2) ينظر: جامع البيان 12/ 544، والكشاف 4/ 740.
(3) البصائر: 5/ 49، بصيرة في نسي.
(4) ينظر: جامع البيان 12/ 340، والتفسير الكبير 30/ 198.
(5) البصائر 2/ 290، بصيرة في جمع، و 4/ 262، بصيرة في قرأ.
(6) ينظر: جامع البيان 8/ 464، والجامع لأحكام القرآن 6/ 228.