من الوحي، وبها يستطيع أن يحفظه ولا ينساه، وبها يستطيع بعد ذلك أن يبلغه كما أوحي به إليه، وبها يستطيع بعد ذلك أن يعالج أمته بالتربية الحكيمة، والقيادة السلمية وفق طبائعهم وأخلاقهم، لذلك فلا يصطفي الله لرسالته إلاّ من يتمتع بصفة الفطانة التامة، والعقل الراجح [1] .
ويشهد لفطانة الرسل (عليهم السلام) آيات كثيرة من القرآن الكريم:
أ ـ فمنها ما قد يدل على فطانة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - حين يخاطبه تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) } [القيامة: 16 ـ 17] ، أي: جمعه وقراءته، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} ، أي: قراءته، قال ابن عباس (رضي الله عنهما) : (فإذا بيناه لك بالقراءة فأعمل بما بيّنّاه لك) [2] ، فتحريك الرسول لسانه بالقرآن لحفظه عند نزول الوحي من فطانته وذكائه، وكذلك تعجله بترديد آياته من قبل أن يقضى إليه وحيه من كمال فطانته وذكائه [3] .
وقوله تعالى له أيضاً: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) } [الأعلى:6] ، إخبار وضمان من الله تعالى أنَّه يجعله بحيث أنَّه لا ينسى ما يسمعه من الحقَّ، وهذا إثبات ... لفطانته - صلى الله عليه وسلم -.
(1) ينظر: العقيدة الإسلامية وأسسها ص 334، وأصول الدين الإسلامي للدكتور رشدي عليان والدكتور قحطان الدوري ص 256.
(2) ذكر الطبري هذا القول في تفسير الآية، وكالآتي:"أن يحيى بن عثمان بن صالح السهمي حدثني قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} يقول: بيناه، {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} يقول: اعمل به ومعنى قول ابن عباس هذا فإذا بيناه بالقراءة فاعمل بما بيناه لك بالقراءة. جامع البيان 1/ 42."
(3) ينظر: البصائر 4/ 263، بصيرة في قرأ.