وَلَا حَرَجَ) (1) ، كان الصحابةُ في الأسماءِ والصفاتِ على قسمَيْنِ:
القِسْم الأوَّل: الذين لا يُعرَفُونَ بالنقلِ عن بني إسرائيلَ؛ وهم الأصلُ والأغلَبُ؛ فهؤلاءِ يُجزَمُ أنَّهم لا يتخرَّصُونَ على الله بالعَقْل، وأنَّ نَقْلَهم إنما هو عن وَحْي.
وإثباتُ ذلك صحيحٌ؛ كما جاء عن ابنِ عبَّاسٍ، وابنِ مسعودٍ، وأبي مُوسَى: إثباتُ القَدَمَيْنِ لله (2) ؛ فهذا يقوِّيهِ إثباتُ صفةِ القَدَم لله تعالى في"الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أنسٍ وأبي هُرَيْرةَ مرفوعًا (3) ، وفي"المسنَدِ"، وعند ابنِ خُزَيْمةَ في"التوحيد"؛ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ (4) ، وله ما يعضُدُهُ مِن مرفوعٍ عن ابنِ عبَّاسٍ في"المسنَدِ"، وغيرِه (5) .
ونقَلَ الآجُرِّيُّ في"الشريعة" (6) :"أنَّ عمَلَ مذهبِ أهلِ الحقِّ والعلماءِ: أنَّهم يَصِفُون اللهَ -عز وجل- بما وصَفَ به نَفْسَهُ -عز وجل-، وبما وصَفَهُ به رسولُهُ -صلى الله عليه وسلم-، وبما وصَفَهُ به الصحابةُ -رضي الله عنهم-".
ولأنَّ مجرَّدَ كلامِ الصحابيِّ في الأسماءِ والصفاتِ وفيما لا يجوزُ له أن يتكلَّمَ به إلا بالوَحْي، فذلك كأنَّما أسنَدَهُ ورفَعَهُ إلى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-؛ ويؤكِّدُ ذلك: أنَّ الصحابةَ لم يَقَعْ بينَهُمُ اختلافٌ ونزاعٌ في هذا البابِ؛ كما وقَعَ بينَهم في الفروع؛ لأنَّ الفروعَ مَحَلُّ رأيٍ واجتهاد.
(1) أبو داود (3662) من حديث أبي هريرة. والنسائي في"الكبرى" (5817) من حديث أبي سعيد.
(2) سبق عند الكلام على الكرسي.
(3) البخاري (4848) ، ومسلم (2848) من حديث أنس. والبخاري (4849) ، ومسلم (2846) من حديث أبي هريرة.
(4) "التوحيد" (1/ 248 و 249) من حديث ابن عباس؛ موقوفًا.
(5) أحمد (1/ 256 رقم 2314) ، والدارمي (2745) .
(6) "الشريعة" (2/ 1051) .