وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له أن يشرع، إن هو إلا وحي يوحى، وإذا كان صلوات الله وسلامه عليه يمنع عما هو أهون بكثير من التشريع، وهو تسعير السلع، كما صحّ في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم عَنْ أَنَسِ قَالَ: (غَلا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَلا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ) .
فتأمل ورع رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وخوفه من التسعير، ثم تأمل حال من لا يصح أن يقارنوا أو يقاسوا بنعله، من عبيد الياسق الذين لم يجعلوا من أنفسهم مسعرين فقط كما في قانون رقم (10) لسنة 1979م في شأن تحديد أسعار بعض السلع، مادة رقم (3) ، و (6) ، وغيرها، بل يقننون العقوبات لمن خالف تسعيرهم، كما في المواد (13) ، و (15) ، وغيرها من قانونهم هذا، ليس هذا فقط، بل جعلوا من أنفسهم مشرعين وأربابا مع الله كما رأيت، وسترى المزيد، فتبّاً لهم وسحقاً.
هذا، ولقد عظموا مشرّعهم ومعبودهم أكثر من تعظيم قريش آلهتها، فقد حكموا كما في المادة رقم (25) من جرائم أمن الدولة بالسجن مدة خمس سنوات لكل من"عاب في ذات الأمير"، وقريش لم تصل إلى هذا الحد، حينما وصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه"عاب آلهتنا وديننا"، فتعساً لمن كان كفار قريش أقلّ منه ضلالا.
وأخيراً، فإن الله يبطل كل تشريع غير تشريعه، فيقول مستنكراً: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَاذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 21] ، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ} ، أي ألهم؟ والهمزة للتقريع.