بل قد جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن هم أهون كثيراً من فرعون، كأمراء الجور الذين كانوا يحكمون بشرع الله تَعَالى، بل والفتوحات في زمانهم تملأ الأرض شرقاً وغرباً، ولكن كان عندهم شيء من الظلم والجور، ولا يصح بحال من الأحوال أن يقارنوا بعبيد الياسق العصري الذين نبذوا حكم الله وعطّلوا شرائعه، ومع ذلك فقد جاءت الأحاديث تنهى عن العمل عندهم بهذه الوظائف وأمثالها مما فيه إعانة على الظلم، فهي تتنزل في عبيد الياسق العصري وأمثالهم من باب أولى.
ومن هذه الأحاديث:
عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليأتين عليكم أمراء سفهاء، يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منهم؛ فلا يكونن عريفاً ولا شرطياً ولا جابياً ولا خازناً) [120] .
فهؤلاء الأمراء مسلمون لم يظهروا كفراً بواحاً، بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالخروج عليهم، فهم لم يعطلوا أحكام الله تَعَالى ولا استبدلوا بها تشريعات الكفار الساقطة، ولا جعلوا من أنفسهم شركاء لله، شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، وأعظم جرائمهم التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بياناً لانحرافهم وتنفيراً من العمل عندهم بتلك الوظائف؛ كونهم يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن وقتها، فقد كانوا يصلون هم أو عمّالهم بالناس، كما في حديث أبي ذر مرفوعاً: (إنه سيكون أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ عَنْ مواقيتها ألا فصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا ثم ائتهم، فإن كانوا قد صلوا كنت قَدْ أَحْرَزْتَ صَلاتَكَ، وإلا صليت مَعَهُمْ فكانت تلك نَافِلَةً) [121] .