فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يبايع قوماً قبض أيديهم، ولا يصافح النساء وإنما يبايعهن عليه الصلاة والسلام قولاً؛ ولهذا فرسول صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه قبضاً إشارة إلى التأكيد والإلزام، فإن التأكيد في أمر الإسلام أعظم وأظهر من التأكيد في قضايا الأموال قال: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا) ، وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع أمته على التوحيد ابتداء؛ لأنه لا يقبل من أحد عمل إلا بعد التوحيد، ولا يقبل الله جل وعلا عمل مشرك، وهذا مما لا خلاف فيه، إلا إذا وقع من المشرك عمل، ثم بعد ذلك دخل في الإيمان فإن الله عز وجل يقبل منه ما فعله خالصاً لله عز وجل في أمر جاهليته، والإشراك مع الله عز وجل إنما سمي شركاً؛ لأن الإنسان قد شرك في فعله هذا غير الله جل وعلا معه فيما هو من حق الله، فوقع في أعظم ما يحذر الله عز وجل منه وهو أعظم الظلم، والله جل وعلا لا يغفر لعبد شركاً، وإنما عظم الشرك على غيره لجملة من الأمور منها: أن الشرك يحبط سائر الأعمال، ومنها: أن صاحبه مخلد في النار، ومنها: أن الله عز وجل لا يقبل للمشرك عدلاً ولا صرفاً حتى يتوب بنفسه، ولا يكفر الله عز وجل عنه شركه إلا بالمبادرة بالتوبة، بخلاف بقية المعاصي التي يقترفها الإنسان من الكذب والسرقة والزنا وغير ذلك فإن الله عز وجل يغفر له ذنبه ببعض المكفرات، وذلك يدخل تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى، كذلك فإن الشرك ليس مما يقابله كفة أخرى، فلا يوجد كفة للحسنات وإنما هي كفة للسيئات؛ ولهذا قال الله جل وعلا: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة:5] .