وهذا فيه أنه ينبغي أن يكون الطالب والعالم على علم فيما بينهما من جهة الحاجة، وكذلك الحال حتى في أمر الدنيا، أن يعلم الإنسان ما يأخذ من جهة العلم والمعرفة، وكذلك ما كان فضلاً، وما كان واجباً عليه بعينه. وفي هذا أيضاً أنه ينبغي للعالم أن يسأل عن بعض المجمل مما يبينه للناس؛ لهذا النبي عليه الصلاة والسلام لما أمرهم بالإيمان قال: (أتدرون ما الإيمان؟) ، يختبر ما لديهم من علم ومعرفة ونحو ذلك، فالسؤال على سبيل الاختبار، ومزيد تفصيل وهو من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر جملة من أركان الإسلام، وقال: (وأن تعطوا من المغنم الخمس) .وإنما لم يذكر في ذلك الحج لاحتمالين: إما أن يكون ذلك لم يفرض، وإما أن يكون ذلك مما يشق عليهم، وهم قد أرادوا المختصر في أعمالهم، فأخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام بما يحتاجون، ونهاهم عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت، وهي من أنواع الخمر الذي يتخذونه من بعض الخضروات، فيأخذون مثلاً من الدباء ويفرغونها من محتواها، ويضعون فيها شيء مثلاً من العنب أو التمر، ويكتمونه، ثم يتخمر فيه أياماً، وهذا ربما كان مشتهراً، فعلمه النبي عليه الصلاة والسلام من أحوالهم؛ لهذا ينبغي للإنسان أن يعرف أحوال المخاطبين، وما هم فيه في بلدهم، ما الذي ينتشر عندهم؟ ينتشر الخمور، أو ينتشر الزنا، أو ينتشر مثلاً الكذب، أو ينتشر غيره، ثم ينزل عليهم النص لحاجتهم، وهذا من الحكمة ومن الفقه في الدين. وفي قوله: (احفظوهن) إشارة إلى أهمية الحفظ، ورعايته وصيانته. قال: (وأخبروا بهن من روائكم) إشارة إلى أن تبليغ الدين لا يقتصر على العالم الكامل، بل حتى على المتعلم علماً يسيراً أن يبلغه لمن وراءه.