ومعلوم أن الظلم على نوعين: ظلم العبد لنفسه، وظلم العبد لغيره، وظلم العبد لنفسه أعلاه هو الإشراك مع الله عز وجل غيره، وهذا ظاهر في قول الله جل وعلا: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ، وإنما كان ظلماً لما تقدم الإشارة إليه بوضع القلب والجوارح في غير ما أمر الله عز وجل به وهو أعلى مراتب الظلم، وهو الذي لا يغفره الله عز وجل لعبده على الإطلاق إلا أن يتوب، كما تقدم معنا. وعلى هذا نعلم أن المكفرات التي بينها الشارع كثيرة منها: الطاعات التي تأتي على الحسنات كما في قول الله جل وعلا: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114] ، هذه حسنات تذهب بالسيئات، فكل حسنة يأتي بها الإنسان تكفر شيئاً مما يقابلها من السيئات، فإذا الإنسان بر أباه وبر أمه، أو تصدق ونحو ذلك، فهذا يأتي على شيء مما يقابلها من السيئات، وكلما استكثر الإنسان من الطاعة فإنه يأتي على ما يقابلها من السيئات؛ لهذا كانت السيئات أيضاً تمحو الحسنات. ومهما أكثر الإنسان من الحسنات وهو مشرك فإنها لا تأتي على التوحيد؛ لأنه لا يجري القلم عليها، فليست بحسنات؛ لأنه خارج من ملة الإسلام، ويستثنى من ذلك إذا وقع الإنسان في الشرك الأصغر، وهو من ظلم الإنسان لنفسه، فجاء الإنسان بشيء من الحسنات فهذا على قول بعض العلماء أنها تجري عليها بعض المكفرات، وهذا فيه نظر، والذي يظهر والله أعلم أننا إذا قلنا: إن الشرك الأصغر لا يخرج الإنسان من الملة، والكبائر التي يقع فيها الإنسان لا تمحوها المكفرات، كالصلوات والصيام ونحو ذلك، فإن الشرك الأصغر يجعله العلماء في مرتبة بين الكبائر وبين الشرك الأكبر، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في"إعلام الموقعين"قال: إن الشرك الأصغر بين الكبائر وبين الشرك الأكبر.