ومن ذلك انه لا يتوقف عند أقوال المفسِّرين بل يتعدى هذه الأقوال ليتوقف عند الكرماني وما يقوله في تلك المسألة قال الفيروزآبادي: إنَّ قوله تعالى: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 2] في تكراره أقوال خمسةٌ، ومعان كثيرة ذكرت في التفاسير، وقال محمود بن حمزة الكرماني: هذا التكرار اختصار وإيجاز هو إعجاز؛ لأنه نفي عن نبيه عبادة الأصنام في الماضي، والحال، والاستقبال، ونفي عن الكفار المذكورين عبادة الله في الأزمنة الثلاثة أيضاً فاقتضى القياس تكرار هذه اللفظة ست مرات فذكر لفظ الحال؛ لأن الحال هو الزمان الموجود واسم الفاعل واقع موقع الحال، وهو صالح للأزمنة، واقتصر من الماضي على المسند إليهم فقال: {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} [الكافرون: 4] ، ولأن اسم الفاعل بمعنى الماضي فعل على مذهب الكوفيين فاقتصر من المستقبل على المسند إليه فقال: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 5] ، وكان اسم الفاعلين, بمعنى المستقبل وهذا معجزة للقرآن وبرهان [1] .
وفي أحيان أخرى كان يكسر هذا القيد إذ لا يبدأ بقول الكرماني إلاّ بعد ذكر ما يراه مناسباً من أقوال وآراء , ففي قوله تعالى: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ} [الملك: 3] , وبعده: قال تعالى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] .
يقول الفيروزآبادي: أي: مع الكرة الأولى, وقيل: هي ثلاث مرات, أي: ارجع البصر، وهذه مرة, ثم ارجع البصر كَرَّتين, فمجموعها ثلاث مرات, قال أبو قاسم الكرماني: ويحتمل أن يكون أربع مرات؛ لأنَّ قوله تعالى: {ارْجِعِ} يدل على سابقة مرّة [2] .
(1) ينظر: البصائر 1/ 548 - 549، بصيرة في {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) } [الكافرون: 1] .
(2) ينظر: البصائر 1/ 474، بصيرة في {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] .