هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم له، ولو رحمه لكانت رحمته خيرًا له من عمله" (1) ."
القول الثاني: أن أصل دخول الجنة لا يكون إلا برحمة الله، وعلى هذا يحمل الحديث، وأما التفاوت في المنازل والدرجات في الجنة فيكون بالأعمال، وعلى هذا تحمل الآية.
وإلى هذا ذهب ابن بطال وغيره (2) .
قال ابن بطال:"فإن قال قائل: فإن قوله عليه السلام: (لن يدخل أحدكم عمله الجنة) يعارض قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) } [الزخرف: 72] ، قيل: ليس كما توهمت، ومعنى الحديث غير معنى الآية، أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث أنه لا يستحق أحد دخول الجنة بعمله، وإنما يدخلها العباد برحمة الله، وأخبر الله تعالى فى الآية أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال، ومعلوم أن درجات العباد فيها متباينة على قدر تباين أعمالهم، فمعنى الآية في ارتفاع الدرجات وانخفاضها والنعيم فيها، ومعنى الحديث في الدخول في الجنة والخلود فيها، فلا تعارض بين شيء من ذلك."
فإن قيل: فقد قال تعالى في سورة النحل: {سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] ، فأخبر أن دخول الجنة بالأعمال أيضًا، فالجواب: أن قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} كلام مجمل يبينه الحديث، وتقديره: ادخلوا منازل الجنة وبيوتها بما كنتم تعملون، فالآية مفتقرة إلى بيان لحديث" (3) ."
(1) مفتاح دار السعادة (1/ 120) ، وانظر: (2/ 514، 550) ، وحادي الأرواح (124) .
(2) انظر: كشف المشكل لابن الجوزي (3/ 110) ، ومفتاح دار السعادة (1/ 119) ، وحادي الأرواح (124) ، والعواصم والقواصم لابن الوزير (7/ 296) ، وفتح الباري (11/ 297، 296) .
(3) شرح صحيح البخاري (10/ 180) .